أخطر ما يمكن أن يحصل هو اللعب على عواطف الناس وبيع «حلاوة بجدر مزروف براسهم»، وذلك باستغلال الجهل مرة او الفضول مرة أخرى. فالناس ومثلما هو معروف «أعداء ما جهلوا». وإذا كان الجهل سابقا مغطى بشكل او بآخر بسبب قلة وسائل الإعلام او اختصارها ليس على من يقرأ ويكتب فقط، بل على طبقة المثقفين الذين كان لهم وحدهم الحق الحصري في استثمار واستغلال المجال العام. الآن وبسبب الثورة المعلوماتية والشبكة العنكبوتية وتطبيقاتها المختلفة لم يعد المجال العام محصورا في طيف معين او طبقة معينة بل أصبح مفتوحا، بل يمكن لكل من «هب ودب» حق الدخول فيه.
إن الخطورة هنا تكمن في كيفية استغلال موضوع معين أما بتضخيمه وهو لا يستحق التضخيم او التقليل من شأنه عبر سياقات مختلفة او حرف الانظار عنه. هناك العديد من الأمثلة التي يمكن الاستدلال من خلالها إلى ما نريد التعبير عنه او توضيحه لكننا سنقتصر على مسألة واحدة وكيفية استثمارها في المجال العام، وهي ما عرف بقضية «سرقة القرن» وبطلها نور زهير. هذه القضية هي بلا شك أكبر ملف فساد في العراق ليس بعد عام ٢٠٠٣ ، بل عبر تاريخه المعاصر كله. لكن الذي حصل ان المتهم الرئيس وبعد ظهوره في لقاء تلفازي وما تحدث عنه بالتفصيل وما ألمح إليه عبر الكشف عن أسماء المتورطين بدأت عملية البحث عن طريقة من شأنها التغطية على هذا الملف، ولو حتى حين إلى ان تجري عملية تسويته بحيث يخرج بعض كبار المتورطين بأقل الخسائر على الاقل. وهنا ظهرت ما عرف بشبكة التنصت وكون بعض المتورطين فيها موظفين من مكتب رئيس الوزراء. وهنا لا بد من القول إنه بصرف النظر عن كمية الحقائق او الأكاذيب في هذه القضية، فإن الحكومة احالت هذا الملف إلى القضاء. أي ان هذا الملف وبقطع النظر عما يمكن أن يترتب عليه أصبح في عهدة سلطة أخرى لا سلطة للحكومة عليها وهي القضاء. لكن وما دمنا نتحدث عن المجال العام لماذا ترافق هذا الملف ضجة؟ وتخوين؟ وتسقيط؟ وشخصنة في وقت لم يقل القضاء كلمته بعد. إن لذلك تفسيرين، وهما استغلال هذا الملف للتغطية على سرقة القرن من قبل من حامت حولهم الشكوك. وثانيا محاولة أطراف أخرى التأثير سلبا على خطوات الحكومة في مجال الخدمات والبنى التحتية وسواها من الانجازات التي أصبحت حقيقة واضحة. وعلى الرغم من عدم معرفة أحد ما يمكن أن يصدر عن القضاء لكن أيا كانت الأحكام فإن استغلال المجال العام بهذه الطريقة ليس أكثر من عملية هروب إلى الأمام فيما يتعلق بالتغطية على ملف السرقة أو محاولة للنيل من الحكومة من أطراف ترى أنها تضررت من الإنجازات، وهذا لا ينتمي إلى شرف الخصومة.