سأله الصحفي السويسري من أصول إيرانية والمهووس بمعارضة قضايانا العربية والقومية ، كيف تردّ على حراك الشباب في عدد من الدول الأوروبية وفي الولايات المتّحدة الأمريكية تحديدا ، والذي يعتبر إسرائيل هي حالة إستعمارية، أجاب الكاتب والفيلسوف الفرنسي وأحد عرّابي “ الثورات العربية” برنارد هنري ليفي ، قال ، “هذا خطأ ، بالعكس، إسرائيل هي التي نشأت كردّة فعل على الاستعمار البريطاني “ ، ليفي إعتبر كذلك أنّ “الاعتراف بالدولة الفلسطينية من شأنه أن يفتح باب الإرهاب على مصراعيه “، نعم هكذا صرّح وهكذا توجّه لخاطبه للرأي العام الغربي والفرنسي تحديدا !
الحديث كان أول أمس الأحد على قناة إخبارية فرنسية ، وهي قناة تكاد تكون مختصّة في الشأن الأوكراني وهي إلى ذلك قناة معارضة بالمطلق لروسيا الاتحادية
ومن الواضح أنّ القناة عموما تحاول تأثيث وبناء خطابها الإعلامي على “مسلّمة” انتهاك روسيا لمقتضيات القانون الدولي ، وأمّا ظرف التشديد في الحُكْمِ على روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين فهو “غياب الديمقراطية” في هذا البلد .
ولا يبدو أنّ القناة مكترثة بازدواجية المعايير التي تطبع سلوكها الإعلامي على الأقلّ في علاقة بالقضية الفلسطينية وما يتعرّض له الشعب الفلسطيني من انتهاكات تصل إلى جريمة الإبادة العرقية
وإنّ المتابع للأداء الإعلامي عموما ولمدى إلتزامه بالمعايير الأخلاقية والمهنية يمكنه ملاحظة أنّ هذا الصحفي وهذه القناة وعدد هامّ من وسائل الإعلام الغربية الأخرى ، استقرّت قناعاتها على أنّ الإنسان في أوروبا وأمريكا وفي “نادي العالم الغربي المتحضر والديمقراطي” ، هو غير الإنسان في فلسطين أو الذي يعيش في ظلّ نظام يعتبرونه غير ديمقراطي، وقد يكون يستحقّ في تقديرهم المآلات الدراماتيكية التي يعيشها .
ولسنا في وارد المبالغة ، إذْ عاينّا وجود بعض الأقوال “المأثورة” من باب “ أنّ الانتهاكات التي تقوم بها أنظمة ديمقراطية تتمتّع بظروف تخفيف “ ، ونكاد نقرأ في سلوكياتهم الإعلامية أنّ النّظم السياسية الديمقراطية محصّنة ضدّ المساءلة والملاحقة حتّى وإن انتهكت القانون الدولي وارتكبت أبشع الجرائم ضدّ الإنسانية .
وقد نجحت آلة الدعاية الصهيونية على مدى السنوات في غزو عدد هامّ من المؤسسات الإعلامية الغربية وهي ناشطة بقوّة في مختلف الوسائط الاتصالية وفي مواقع التواصل الإجتماعي، ما مكّنها من السيطرة النسبية على مختلف النخب في هذه الدول الغربية
ولكن يبدو أنّ هذا المدّ الدعائي وصل إلى نهايته مع إنتفاضة الطلاب والشباب عموما والذين لا تربطهم “علاقة مقدّسة” مع السرديات الصهيونية الدينية وغيرها ، فجيل الشباب في مختلف الدول الغربية وتحديدا في أوروبا وأمريكا وجد ضالّته في قيم المواطنة المرتبطة بحقوق الإنسان بقطع النظر عن اللون والجنس والدين والانتماء الطبقي والقومي ، وهو لذلك مُطالِبٌ بكلّ الحقوق لكلّ البشر ، ومنها حقّ الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرضه المغتصبة .
هم لا يفهمون سلوكيات دولهم المساندة للعدوان الاسرائيلي على فلسطين وأرض فلسطين ، رغم أن حكومة الاحتلال الصهيوني ما انفكّت تنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني
طلاب وشباب هذه الدول المنتصبة دوما لتعطي الدروس في الديمقراطية والتعلق بحقوق الإنسان والشعوب ، مصدومون جرّاء سياسات دولهم المتناقضة في العمق ما كلّ ما تعلّموه من قيم إنسانية سامية، ووقفوا مع مرور السنوات على زيف هذه الحقوق التي عبثت بها إزدواجية المعايير.