رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
حينما تهشمت صورة الدولة العظمى تحولت إلى شظايا متناثرة


المشاهدات 1338
تاريخ الإضافة 2024/04/06 - 7:54 PM
آخر تحديث 2024/07/26 - 10:25 PM

التطورات المتسارعة التي تعرفها القضية الفلسطينية، خصوصا ما يتعلق بجرائم الإبادة الفظيعة التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة من الخدج والأطفال والنساء والشيوخ، تواصل الكشف عن معطيات غريبة متعلقة بطبيعة السياسة الخارجية الأمريكية، وبالموقف الحقيقي للإدارة الأمريكية من حرب الإبادة المقترفة في غزة وبعلاقاتها مع الحليف الإسرائيلي المجرم . 
في المرحلة الأولى من حرب الإبادة في غزة، كانت إدارة بايدن واضحة ومنسجمة مع نفسها، إذ لم تتردد لحظة واحدة في تقديم جميع أشكال الدعم المالي و العسكري و الديبلوماسي والإعلامي، لتمكين قوات الاحتلال من اقتراف جرائمها بكامل الثقة، بعدما ضمنت لها التغطية على مستوى الأمم المتحدة .و كانت بذلك واضحة في خضوعها لأوامر قادة الكيان الصهيوني، امتثالا لإرادة مجموعة الضغط الصهيونية المقررة الفعلية في السياسة الخارجية الأمريكية . وفي ضوء ذلك بدأ بايدن وعرابه بلينكن مجرد قطع شطرنج يتم تحريكها بما تقتضيه اللعبة.. وتبعا ذلك وجدت الإدارة الأمريكية نفسها عرضة لانتقادات شديدة و عنيفة، ليس لأنها لم تستطع كقوة عظمى العمل على وقف حرب غزة، بل لأنها تحولت إلى عجين في أيادي الاسرائيليين يصنعون بها الشكل الذي يرتضونه وتقتضيه مواصلة اقتراف جرائم الإبادة، ووجدت نفسها في بداية مشوار انتخابي صعب، ولذلك يبدو أنها لم تجد أي حرج في المناورة والتحايل على الرأي العام .. وهكذا أطلقت الإدارة الأمريكية العنان للمناورات، لعلها تنجح في التخفيف من حدة الورطة التي قادها إليها  القادة الاسرائيليون، انطلاقا من مسرحية إسقاط المساعدات الإنسانية من سماء غزة ، ومرورا بلعبة الرصيف وبخدعة الاختلاف مع حكومة الكيان الإسرائيلي وصولا إلى خديعة السماح بتمرير قرار مجلس الأمن الدولي الأخير الذي أمر بوقف إطلاق النار في غزة من خلال الامتناع عن التصويت بعدما لم تتردد لحظة واحدة في العمل على تعطيل أي قرار يحرج  الربيب المدلل ، ونهاية بتواضع الرئيس بايدن بلقائه مع مجموعة من العرب والمسلمين على مائدة الإفطار في شهر رمضان المبارك وبتصنع الغضب من تعمد قوات جيش الاحتلال قتل ناشطين أجانب في المجال الإنساني في غزة. لكن إدارة الولايات المتحدة الأمريكية لم تقدر على الصمود في منطقة تبدو لحليفتها الاستراتيجية رمادية، وسارعت بالعودة إلى بيت الطاعة و إلى  حضن حليفتها، حيث وقبل أن يجف الحبر الذي كتب به قرار مجلس الأمن الدولي الأخير، الذي أمر بوقف إطلاق النار والذي باركته الإدارة الأمريكية، سارعت نفس هذه الإدارة،  حسب صحيفة ( واشنطن بوست ) الأمريكية إلى تمكين قوات الاحتلال الإسرائيلي مما تحتاجه من الأسلحة لضمان عدم وقف إطلاق النار الذي قرره مجلس الأمن الدولي، وساهمت هي نفسها في خروجه إلى حيز الوجود ، حيث سمحت بنقل أكثر من 1800 قنبلة ( إم كي 84 ) و يبلغ وزنها أكثر من 900 كلغ ، و 500 قنبلة ( إم كي 82 ) بوزن 225 كلغ ، و 25 طائرة مقاتلة من طراز ( إف 35 إيه ). وقدرت قيمة هذا الدعم العسكري الإضافي بمئات الملايين من الدولارات. وهكذا فإن الإدارة الأمريكية التي باركت صدور قرار يقضي بوقف إطلاق النار، هي نفسها التي تمد الجهة المسؤولة عن إطلاق النار بما تحتاجه لضمان عدم وقفه.. والأدهى من ذلك أن حجم و طبيعة المساعدات الأمريكية العسكرية الجديدة تضمن لقوات الاحتلال الإسرائيلي عدم وقف إطلاق النار على المدى البعيد، وتوفر لها إمكانيات كفيلة باقتراف ما تراه وتقدره مناسبا و ملائما من جرائم الإبادة . 
هكذا يجبر الكيان الإسرائيلي من خلال أدوات ضغط داخلية، دولة تقدم نفسها قوة عظمى في الساحة الدولية ومؤثرة في مسار العلاقات الدولية، على أن تبدو مرتبكة و مترددة ، بل و منافقة في جزء مهم من سلوكها العام . وبذلك تهشم بيدها صورة الدولة العظمى التي تقدم بها نفسها إلى العالم، ويصير في ضوء ذلك من الصعب رؤية صورتها الحقيقية فيما تبقى من شظايا الزجاج المهشم من اللوحة التي كانت تحمل صورتها . 
 


تابعنا على
تصميم وتطوير