أفاق العالم فجر أمس الثلاثاء على وَقْعِ مجزرة وكارثة أخرى نفّذها جيش الإحتلال الإسرائيلي في حقّ الفلسطينيين ، كارثة لعلّها واحدة من أبشع الجرائم في تاريخ الإنسانية،
إنسحب ليل الثلاثاء جيش الإحتلال من مجمّع الشفاء الطبّي في مدينة عزّة وخلّف وراءه مئات القتلى في صفوف المرضى والإطار الصحّي والطبّي واللاجئين الذين احتموا بهذا الفضاء الذي من المفترض أنّ القوانين والأعراف الدولية تحميه ضدّ أهوال الحرب .
جيش الإحتلال ، إحتلّ وحاصر المجمّع الطبّي لمدّة أسبوعين وقطع عنه الطعام والدواء والمواد الإغاثية وكانت هذه المدّة كافية “لتحقيق الإنجاز الأكبر” بحسب ما أعلن المتحدّث باسم جيش الاحتلال ، وهو “إنجاز” أخرج هذا المرفق الصحّي الأهمّ في قطاع عزّة من الخدمة بالكامل وكان من نتيجته أيضا مئات الشهداء ،
ونعتقد أنّه أضحى من نوافل القول بأنّ الكيان الإسرائيلي يستهدف بصفة ممنهجة مقوّمات الحياة في قطاع غزّة والضفة الغربية وذلك بهدف واضح هو دفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية وإخلاء ما تُسميه الرواية الصهيونية ب” الأرض المقدّسة” ، وهي سياسة تمثّل في منظور القانون الدولي جرائم حرب مكتملة الأركان فضلا عن كونها من العناصر الأساسية لجريمة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني ،
ولا يخفى أنّ محكمة العدل الدولية كانت حذّرت دولة الإحتلال من مغبّة عدم القيام بواجباتها في منع حدوث جريمة الإبادة ، وجاء ذلك في قرار أوّلي تضمّن تدابير احترازية لمنع تدهور الأوضاع في قطاع غزّة ، وكانت دولة جنوب أفريقيا تقدّمت بشكوى ضدّ اسرائيل وهي خطوة أثارت حفيظة وغضب دولة الإحتلال .
إنّ القضاء على كلّ مقوّمات الحياة في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو من ثوابت السياسة الإسرائيلية على مدى السنوات وهي سياسة تتكامل مع سياسة الإستهداف بالقتل العمد للمدنيين وذلك لمزيد ترهيب الشعب الفلسطيني البطل ، ومن ذلك ما جرى في منطقة خان يونس، عندما أقدم جيش الاحتلال على إغتيال أربعة فلسطينيين غير مسلّحين ، ذنبهم أنّهم بصدد البحث عن قوت ومأوى .
ولا يذهب بنا الظنّ أنّ الاحتلال الإسرائيلي متنصّل من جريمته تلك ، بل هو إعتراف بها على لسان مسؤوليه وبرّرها أيضا إذ قال أنّ “الجيش أنشأ مناطق إعدام ويمكن إغتيال من يعبرها حتّى وإن كان غير مسلّح ولا يمثّل تهديدا “، وكانت عملية الاغتيال تمّت بصاروخ أوّل ثمّ ثانٍ ، وتمّ تصوير الحادث من طرف الإحتلال ثمّ تمّ توزيع الفيديو لإرهاب الناس وللإمعان في خرق القوانين الدولية والتعدّي على المُثُلِ والقيم الإنسانية .
وللأسف ، لا يبدو أنّ قرار مجلس الأمن الدولي الذي يفرض وقف إطلاق النار والمسارعة بالإمدادات الإغاثية والصحية والغذائية، يلقى تجاوبا من دولة الإحتلال وربّما يكون ذلك بسبب إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على رفض التنصيص على مرجعية الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وتجريد القرار بالتالي من أيّ صبغة إلزامية
لا يبدو كذلك أنّ المسار القضائي سيُؤتي أُكلَهُ نتيجة إرتباط جوانبه التطبيقية والتنفيذية بمجلس الأمن الدولي ، وكذلك نتيجة غياب الإرادة السياسية للدول المتحكّمة في مصير العالم في مزيد الضغط على دولة الإحتلال المارقة
ويبقى الأمل في الضغوطات التي تمارسها الشعوب الغربية على دولها وحكّامها ، لكنّ منهى الأمل يكمن في توفّر جهد عربي قادر على استعمال ما لديه من سلاح إقتصادي وسياسي وغيره من أجل الضغط ومزيد الضغط لإجبار الكيان الإسرائيلي على الإنصياع إلى القانون الدولي ، وإنّ في صمود الشعب الفلسطيني على أرضه وتمسّكه الدائم بحقوقه الشرعية والمشروعة والتاريخية هو أكبر الضمانات لنيل الحقوق .