شهد العالم في السنوات الاخيرة تسارعاً حاداً للاحداث السياسية والامنية، وكانت التغيرات في الشرق الاوسط محط تغيير حتمي في البنية العالمية، فالولايات المتحدة الاميركية هيمنت على موقع الريادة العالمية على المستوى الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي لزمن قارب ان يصل الى الثمانين عاما.
ومن المؤكد ان الهيمنة الاحادية على النظام الدولي بدأت بالتفتت، فلم تعد الولايات المتحدة القادرة على صناعة روزنامة ما يحصل على كامل اراضي هذا العالم وظهرت اقطاب اخرى لكل منها تقدمها في مستوى معين بدأ ينافس فعليا مستويات الريادة الاميركية.
من الناحية الفلسفية التاريخية لا بد للقوة ممها بلغت عظمتها من ان تأخذ منحاً تنازلياً لتصل من جديد الى القعر وهذا ما حصل على مستوى نشوء حضارات واندثار اخرى، فهذا الامر لا شك محكوم بالطبيعة الكونية المجتمعية. وبعيداً عن الفلسفة ان السياسة الاميركية المتبعة منذ اعوام بعيدة ارتدت على نفسها بأزمات شديدة التعقيد اضعفت من بنائها وقلصت من منسوب القوى العالمية، ولكن العد العكسي للتغيير في هذه الناحية بدأ عمليا منذ العام 2008 بعيد ما سمي بالازمة المالية العالمية.
ينظر البعض الى ان المؤشر الاساسي الذي بدأ ينذر بتغييرات كبيرة في العالم كانت في احداث الحادي عشر من ايلول، حيث شكل هذا الامر خرقا كبيرا للكيان الامني الاميركي، وقد أعلن تنظيم القاعدة الحرب على أمريكا في العام 1998 ووجّه ضرباته الأولى إلى سفارتَي الولايات المتحدة في كل من تنزانيا وكينيا، لحق بها الهجوم على المدمرة الأمريكية كول في ميناء عدن عام 2000.
هذا الامر اثار الكثير من الجدل حول القدرات الاستخبارية الاميركية التي كثفت من جهودها بعد هذه الاحداث لتكون اكثر صلابة وقدرة، لكن عاد طوفان الاقصى ليثير الشكوك من جديد حول القدرات الاميركية الاستخباراتية، وبالتالي سيطرتها الكلية والكاملة على هذا العالم؟َ!
ما فعلته الولايات المتحدة ان اعلنت حربها على الارهاب فكان ارهابها اشد فتكا وكان ارهابا ضد الارهاب فوقعت في وحول افغانستان واضطرت ان تفاوض طالبان المُدرَجة على قائمة المجموعات الإرهابية، وانسحبت اميركا بنهاية مذلة.
ثم دخلت اميركا ايضا الحرب على العراق، لتفتك به وبشعبه، وحتى الاميركيون يعتبرون ان قرار الحرب كان من اخطر القرارات تأثيرا على مستقبل الولايات المتحدة الاميركية فنشأت ازمة لديها اوصلت البلاد الى حافة الانهيار الاقتصادي وأدّت إلى فوز باراك أوباما الذي قطع عهوداً في حملته الانتخابية بالانسحاب من العراق وأفغانستان.
اما في سوريا فقد دخل الدب الروسي ليقلب المعادلة ويقول نحن ايضا هنا، واستطاعت روسيا ان تاخذ دورها في سوريا بشكل كبير وتضمن وجودها في قلب المعادلة العالمية، ثم اتت الحرب الروسية الاوكرانية التي تكاد تعلن انهزام الاوكران مقابل روسيا بعد تداعيات طوفان الاقصى على مجريات الاحداث في اوكرانيا وتحول الدعم العسكري من اوكرانيا الى اسرائيل.
ثم جاء الرئيس ترامب الذي شهد عهده الكثير من الفشل على كثير من المستويات، اولها الديمقراطيات وثانيا ما احدثته جائحة كورونا وفشل اميركا في مكافحته بالوقت اللازم ومع صدور اللقاحات الاميركية كانت لقاحات روسيا والصين على قدم وساق ايضا.
وشكلت شخصية ترامب بحد ذاتها الشخصية المتطرفة الديكاتورية، وكان العالم باسره يشاهد ما يحصل في اكثر بلد يتغنى بالديمقراطية والتعددية.
في المحصلة لن يتغير العالم بين لحظة واخرى بل سيكون التغيير على مراحل، خصوصا ان الولايات المتحدة لن تقبل بالتنازل عن موقعها في النظام الدولي بسهولةٍ لمجرد صعود الصين وروسيا، أو بعض التمردات التي تحصل هنا وهناك في بعض دول العالم. وبالتالي ايضا لا يمكن الحديث عن امور محسومة لصالح الصين او روسيا او اميركا، لان الاحداث العالمية حاليا لا تزال في ذروة تفاعلها وتداعياتها غير محددة بالكامل.
وفي خضم هذه المتغيرات الدولية، أتت حرب غزة (طوفان الأقصى) لتفرض نفسها على متغيرات العالم لجهة تأثيرها في شكل الهيمنة والقوة العالميتين وتوزيعهما، والعين من جديد على لبنان والموقف العسكري الاميركي مما يمكن ان يحصل في حال اندلعت حرب موسعة بين حزب الله واسرائيل، وايضا التصعيد الذي يمكن ان يحصل في اليمن والعراق.