رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الرهان على القارئ


المشاهدات 1312
تاريخ الإضافة 2024/02/18 - 8:07 PM
آخر تحديث 2024/07/24 - 1:31 PM

في دردشة مع أصدقاء اعزاء تضمهم مجموعة “ كروب “ على الواتساب تحمل اسم “ القلم وما يسطرون” استغرب عدداً منهم اقامة ثلاثة معارض عراقية للكتب في توقيتات متقاربة في النجف وكربلاء وبغداد، على الرغم عما هو شائع عن موجة انحسار الكتاب وبيعه وتسويقه، وندرة القراء للكتاب الورقي على وجه الخصوص، وذلك ما تثبته حقائق وبيانات وأرقام تشير إلى ضعف موارد دور النشر من عائدات بيع معظم ما تصدره من كتب في مختلف التخصصات، مما يهدد بالتالي وجودها وقد يدعوها إلى أن تغلق أبوابها ليتجه أصحابها إلى نشاطات اقتصادية أكثر نفعاً، وأضمن ربحاً، سيما مع ارتفاع تكاليف الورق والطباعة، وصعوبات التوزيع والتسويق.
 وينظر البعض إلى ذلك كأنه حقيقة لا جدال فيها، بل ويزيد عليها مغالطة منطقية تؤكد على أن الكتاب في أزمة، وأن عصره قد أفل، وأوشك على التدهور والانحطاط. وبيقين أقول، ان الواقع لا يتسق تماماً مع هذه المغالطة. وإن كانت هناك أزمة فعلية فهي أزمة قراءة قبل أن تكون أزمة كتاب، ولهذه الأزمة أسباب كثيرة، لعل في مقدمتها التطور التقني والرقمي الهائل الذي وفر وسائل بديلة للكتاب تتناسب مع روح هذا العصر وما يتسم به من تدفق متسارع في ضخ المعلومات، واختصار طرق الحصول على المعرفة من خلال المنصات الإلكترونية، والمواقع الخبرية، والمكتبات الرقمية التي توفر الكتب مجاناً، وغيرها، وهي وسائل مغرية للقارىء المعاصر الذي قد لا يجد متسعاً من الوقت لتقليب صفحات كتاب ورقي كان في عصر سابق المصدر الوحيد للمعرفة، وخير جليس في الزمان على رأي أبو الطيب المتنبي. لكن مع تعدد الوسائل والطرق التي يحصل فيها القارىء على مبتغاه المعرفي والعلمي والثقافي من جلساء آخرين بسحنات آلية تفتقد الحميمية، يبقى الكتاب الورقي هو سيد الجلساء، وسلطانهم، وبدلاً من أن نشاهد انكفاءه وتراجع دوره أمام الوسائط الجديدة للمعرفة، فإننا نجد العكس في النشاط المتصاعد لدور النشر محلياً وعربياً وعالمياً، وفي تأسيس دور نشر جديدة،  والحرص على إقامة معارض الكتب الدولية التي تُعدُّ مهرجانات كبرى للإحتفاء بالكتاب والناشرين والكتاب والمؤلفين، ومناسبات ثقافية وأدبية لعرض آخر الإصدارات لجمهور القراء في مختلف التخصصات. غير أن ذلك لا يعني عدم وجود معوقات ومشاكل واقعية لدور النشر، على الرغم من استمرار عملها ومشاركاتها في معارض الكتاب داخل العراق وخارجه، وفي بغداد والمدن العراقية الأخرى. فالشكوى مستمرة من سوء التسويق، وضعف اقبال القراء على الشراء بشكل عام. هذا أمر لا خلاف عليه، لكنه ليس بالأمر الذي يمكن أن يكون عائقاً أمام ازدهار الكتاب ووصوله إلى القارىء، مع ما يمكن أن نطلق عليه أزمة قراءة لا أزمة كتاب، وهذه من أزمات عصرنا الراهن التي لا يمكن أن ننظر اليها بكونها ظاهرة واسعة ومطلقة، ولا يمكن تعميمها بوجود جيل جديد مع الأجيال السابقة من القراء الباحثين عن الكتاب الجيد من بين سيل الكتب التي تصدر عن آلاف دور النشر التي  تتوالد وتتناسل باستمرار، مع استمرار الشكوى من انحسار بيع الكتب!. وما انتشار المكتبات ومخازن الكتب ودور النشر في شارع المتنبي ببغداد وتفرعاته، على سبيل المثال لا الحصر، سوى دليل واحد على انتعاش سوق الكتاب رغم كل ما يقال في هذا الشأن. وتلك واحدة من مفارقات الكتاب والمعارض ودور النشر في عالمنا الطريف المزدحم بالمفارقات. وتلك أيضاً قضية تطرح ضرورة الجهد الحكومي الثقافي لرعاية الناشرين وتبنى مطالبهم وتحفيزهم على الاستثمار في سوق الثقافة، من أجل الكتاب والمؤلف والقارئ الذي يمكن الرهان عليه وسط هذه الفوضى الإتصالية.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير