بين موافقٍ ومعارضٍ للقرار الوطني بإعادةِ تطبيق قانون التجنيد الإلزامي او ما يعرف بخدمة العلم الذي سبق أن كان ساري المفعول قبل احتلال العراق عام ٢٠٠٣ بعد حل الجيش العراقي السابق، وحصل نقاشٌ عقيم بين مؤيد لإقرار هذا القانون وبين معارض، كل يدلو بدلوه ويعطي المبررات والمحددات حول مدى اهلية وجدية تطبيق هذا القانون في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، وهل بإمكان الدولة توفير الرواتب ومقرات التدريب لاستيعاب العدد الهائل من المجندين؟.. ومن كان جنديا وخدم في الجيش السابق يعرف مردودات اعادة الخدمة العسكرية الايجابية والسلبية، ومن وجهة نظري كمواطن عاش تلك التجربة اقول إن إعادة العمل بهذا القانون له مردودات اجتماعية كبيرة، إذ إن الشاب العراقي حاليا يعيش بلا هدف او محددات وسط مجتمع فوضوي لا يعرف فيه اللون الابيض من اللون الأسود، حيث امتزجت الألوان، ووسط هذا التمازج ضاع عليه اللون الابيض بكل ما يحمله من معانٍ انسانية نبيلة، وضاع الشاب العراقي وسط هذه الألوان، خاصة ان اغلب الالوان بات لونها رماديا، حيث المدارس الحكومية فقدت بريقها واصالتها في التربية وبقيت التربية الاسرية هي السائدة، ومَن يراقب حركة المجتمع وما آل إليه من تفكك وتمزق بعد دخول تقاليد او معتقدات غريبة ودخيلة على مجتمعنا ومن ينظر الى حالة التردي التي يعيشها الشباب يصاب بالدهشة، حيث جعلت هذه العثرات الشاب العراقي يعيش في مجتمع متمزق غير مستقر وغير متماسك، هذه الظروف جعلته يتسكع في الشوارع والمنتديات الليلية او في المقاهي، وهو مدمن على تعاطي «الاركيلة « لطلب المتعة، فيما البعض الاخر أصابته الميوعة فنسي الرجولة بكل ما تحمله هذه الكلمة من قيم نبيلة، فأصابه الوهن والضياع والتعلق بقيم عقيمة خارجة عن مبادئ ديننا الحنيف.. ووسط هذه الحالة المزرية فإن إعادة إقرار قانون الخدمة العسكرية الالزامية او ما يعرف بخدمة العلم هو قرار يتوافق مع المبادئ السامية التي يسعى كل الخيرين الى ترسيخها بين الشباب وإعادة هيبتهم وحبهم وتفانيهم في سبيل الوطن، وليس بالضرورة ان يكون هذا الكم الهائل من المجندين هم مقاتلين لخوض الحروب، فزمن الحروب العبثية قد انتهى وولى ولن يعود، وبإمكان الاستفادة من هذه الاعداد وتهيئتها واعدادها لإعمار البلاد مثلما حاصل ومطبق في الجيش المصري الذي سخّر الطاقة البشرية المتوفرة في القوات المسلحة لعمليات البناء والإعمار كبناء الجسور وتبليط الشوارع وتقديم خدمات الاعمار في كل مرافق الحياة، محققين اكتفاءً ذاتياً لقواتهم المسلحة، وهذا الامر ليس بالصعب إنما يحتاج الى إرادة وطنية فاعلة.. هذا شيء من فيض، إضافة الى ان الشاب الملتحق في الخدمة العسكرية سيكتسب مهارات مهنية ويتعلم كيف يتحمل الظروف الصعبة والصبر في الملمات، إضافة الى الشجاعة والحفاظ على المال العام والخاص واحترام القانون، وبإمكان تنفيذ هذا القانون وخفض تكاليف الصرف عن طريق توزيع المجندين بعد انتهاء عمليات تدريبهم وفق مناطق سكناهم للحفاظ على الامن من جهة، وتقليص نفقات الصرف وإعطائهم الطمأنينة للدفاع عن انفسهم وعوائلهم من الغرباء والمخربين في المناطق المنسبين لها كمرحلة أولى، وهم في كل الاحوال قوة احتياط للدفاع عن حياض الوطن في حال تعرضه للمخاطر، إضافة لكونه ييسر المال والجهد والطمأنينة، وكان الله في عون الخيرين من أبناء شعبنا.