رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
[اللغات التي أجيد]


المشاهدات 1219
تاريخ الإضافة 2019/01/07 - 5:21 PM
آخر تحديث 2025/05/26 - 9:11 PM

حيدر علي الجبوري أجيد من اللغات سبع ، فلم اترك درسا من مدرسة الحياة، ولم اهرب يوما عبر سياجها ، فكنت المتفوق الذي يهابه اقرانه . تعلمت اللغة العربية ، فكتبت دار ، ودور ، والى الآن اخلط في كلمة بان ، بان التي هجرتني وتزوجت وهي فتية ، بان قد تركت مواليدي يطلبها الجيش ، وآخر مرة رأتني كنت حليق الرأس اسمرا نحيلا قد أتعبني التدريب . اخلط بين بان وباب ، والذنب ليس ذنبي ، بل بنقطة تتمرد في ذهني ، فمرة أراها فوق تضحك كما بان ، ومرة تختبئ تحت فتغلق علي كل باب . أجيد من اللغات أيضا ، لغة الحلم ، لكنني في الحقيقة إلى الان ما زلت أتعلمها ، مع إنني ألغيت من حياتي تقلبات الأزمنة من ليل ونهار ، أنا احلم باستمرار ، وما زلت أصور لنفسي الشخص الذي كنت أريد أن أكون ، ولم أكن ، ولن أكون . ومن اللغات ، كنت أترجم ركض السنين ، وكيف يمكن أن يُبذّر العمر ويُنثر في مهب الريح . العمر أكثر وجوه الزمن بؤسا ، يهضم السعادة في اقصر مشوار ، ويخلّد غير ذلك في حياة المرء . ومن الحياة ، لغة الإنسان التي وجدت فيها الكثير من المثُل ، والكثير من الشعور ، والكثير من كل شيء جميل وحلو المذاق ، أما الواقع ، فقد كان الساخر الذي ينهر ما يقال عن هذه اللغة ، وكان سفاحا معلما كيف يأكل الإنسان جنسه ، وكيف يعلمه القتال والقتل ، ثم يقيم نصبا لضحيته، ويدّعي إن ما يجعل الاستمرار في الحياة هو التناقض ، ابتدع الفن كي يجسد دور الموت فيه، واكتشف الجمال كي يرسم المأساة ، وكان يغني بصوت الزعيق . ومما أجيد ، لغة هذي البلاد ، التي قال عنها شاعر حالم بأنها علمتنا الموت ، والعشق حد البكاء. لغة هذي البلاد تكتب بالعكس ، وبالمقلوب ، وبحروف لا وجود لها، بل تكتب بلغة الحرب ، والجبهات والبيانات التي يلقيها المذيعون ذوي الأصوات المخيفة للصغار والكبار . لست وحدي من يجيد لغة البلاد ، اللغة التي لم اقدر أن اكتب فيها اسم بان ، حينما هضمت أبي بحرب لا اذكر ما تسلسلها ، وتوقفت ذاكرتي عند كلمتي دار ودور ، ثم أخذتني بحرب ذات تسلسل آخر ، وبرقم جديد.

تابعنا على
تصميم وتطوير