رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
ستار زكم.. شاعر عراقي مزج بين الشعر والسرد والإعلام


المشاهدات 1422
تاريخ الإضافة 2025/10/29 - 8:57 PM
آخر تحديث 2025/11/02 - 11:52 PM

في مشهدٍ ثقافي متشعب تتناوب فيه الأصوات بين الشعر والسرد والإعلام، يبرز اسم الشاعر والناقد والإعلامي ستار زكم بوصفه أحد الأصوات العراقية التي لم تكتفِ بأن تكون شاهدة على التحولات، بل سعت لتوثيقها وتفكيكها وإعادة قراءتها شعريًا وسرديًا وإعلاميًا.
منذ بواكير اهتمامه بالشعر مرورًا بتجربته النقدية، وصولًا إلى حضوره الإعلامي اللافت، رسم زكم مسيرة مفعمة بالشغف والجدية، تلتقي فيها القصيدة مع الكاميرا، والنقد مع الصوت، والرؤية الفكرية مع الموقف الإنساني.
في هذا الحوار المطوّل، يفتح لنا أبواب تجربته، فيتحدث عن بداياته، وعن تحوّلات الشعر العراقي، وعن دور الإعلام والثقافة، كاشفًا عن ملامح مشروعه القادم في النقد والسرد، وعن إيمانه بأن الكتابة ليست مجرد فعلٍ جمالي، بل مسؤولية وجودية تجاه الحياة والإنسان.
* اهلا ومرحبا بك شاعرنا العزيز نرجو ان تحدثنا عن بداياتك الشعرية الأولى، وكيف تشكّلت لديك الرغبة في الكتابة؟ 
ـــ البداية كانت مثل أي شاعر عراقي تبهره  أنشودة المطر  للسياب أو أشعار سليمان العيسى وإيليا أبو ماضي، إضافة إلى العديد من الشعراء العراقيين والعرب. كان في داخلي ولع شديد بحفظ المعلقات، وكنا نتسابق نحن الطلبة في حفظ تلك القصائد الرائعة. لكن تلك المرحلة لم تكن عميقة بما يكفي لتؤسس لصبي مثلي طريقة راسخة في تلقي الشعر.
في فترة الإعدادية كنت أستعير الكتب الشعرية والسردية من جاري عدنان، الذي كان بيته مكتبة عامرة بالمجلات والكتب المهمة. وتتلمذت على يد الشاعر عبد الرحمن طهمازي، ثم الأستاذ المصري محمد رشاد، اللذين كان لهما فضل كبير في تعليمي اللغة العربية وآدابها.
أول كتاب قرأته كان رواية جريمة في وادي النيل  لأجاثا كريستي، وما زلت أحتفظ بها حتى اليوم. ومع تطور قراءاتي في الشعر والنقد والروايات والفلسفة والاجتماع، بدأت تتبلور لدي رؤيتي الخاصة في الكتابة التي ستنعكس لاحقًا على تجربتي الشعرية والنقدية. أما في الإعلام، فبدأ الحلم مبكرًا، حين تقدمت في تسعينيات القرن الماضي لاختبار المذيعين الذي أجراه الإعلامي سعد البزاز، ورغم أنني لم أُقبل، بقيت تلك الرغبة كامنة حتى تحقق حلمي بعد 2003 عندما عملت معدًّا للبرامج الثقافية. حصلت على جوائز عديدة، منها جائزة أفضل إعداد برنامج ثقافي من مؤسسة عيون لعامي 2011 و2012، وجائزة أفضل إعداد برنامج اجتماعي عن  برنامج هموم وقضايا، إضافة إلى دروع تكريمية من دار الشؤون الثقافية ومهرجان كزار حنتوش وملتقى الخميس الإبداعي.
 *  كيف كانت البيئة المحيطة بك أثناء بداياتك الثقافية؟ 
ـــ لم تكن البيئة مهيأة بسبب الحرب في ثمانينيات القرن الماضي، لكني كنت مؤمنًا بأن الكتابة فعل إنساني لا يتوقف. كنت أوازن بين الدراسة والقراءة رغم الصعوبات، وأسست عبر ذلك قاعدة ثقافية قوية ساعدتني لاحقًا في مجالي النقدي، خصوصًا في *النقد الروائي* الذي نشرت فيه مقالات عدة.
*  هل تتذكر أول نص شعري نشرته؟ 
ـــ نعم، لا أنسى أول قصيدة لي بعنوان «يد» التي نُشرت في الصفحة الثقافية لجريدة  الجمهورية، وكانت مفاجأة كبيرة لأن القصائد الأولى للشباب كانت تنشر عادة في صفحة أدب الشباب  هذا النشر منحني دفعة قوية للاستمرار وطباعة مجموعتي الأولى «يدي كانت الأبدية» التي صدرت على نفقتي الخاصة رغم الحصار الاقتصادي، وكانت سببًا في انضمامي لاتحاد الأدباء.
*  كيف جاء تنوعك في الكتابة بين الشعر والسرد والنقد والإعلام؟ 
ـــ التنوع لم يكن تسارعًا، بل نضوجًا متدرجًا. الإعلام، وخاصة البرامج الميدانية، منحني القدرة على قراءة الواقع من زوايا مختلفة، وهذا انعكس على كتابتي السردية. أما التحول نحو الرواية فكان بسبب رغبة في توصيل الفكرة بعمق، بعد أن وجدت أن القصيدة لم تعد قادرة وحدها على التعبير عن الهم الإنساني العام. وللأسف، شهد الشعر في السنوات الأخيرة تراجعًا بسبب الاستسهال في الكتابة وسهولة النشر الإلكتروني وضعف الدرس الأكاديمي، رغم بقاء نماذج رصينة تؤكد استمرار جوهر الشعر العراقي.
*  ما  الذي دفعك لإصدار ديوانك الأول؟ 
ـــ كان شعورًا بضرورة الوجود وتوثيق التجربة. فالديوان يحفظ القصائد من الضياع ويتيح للقارئ الوصول إليها بسهولة، كما أنه شرط أساسي للانتماء إلى اتحاد الأدباء.
*  وماذا عن ديوانك الثاني (مدافن الرغبة)؟ 
ـــ شكل هذا الديوان تحوّلًا في تجربتي الشعرية، إذ لامس الهم الوجودي والإنساني بعد عام 2003، وعبّر عن تأملات الموت والفناء وتغير المفاهيم في عالم متحوّل.
*  كيف تصف تجربتك مع كتابة الرواية؟ 
ـــ الرواية عالم واسع لا يمكن مغادرته. في روايتي الأولى عملت أكثر من سنة ونصف على بناء هيكلها وفكرتها وشخصياتها. اعتمدت على قراءات واسعة في الرواية العراقية والعربية والعالمية، وسعيت إلى أن تكون رواية إنسانية قبل أن تكون سردًا فنيًا.
*  كيف تنظر إلى الكتابة الإبداعية وأشكالها الشعرية؟ 
ـــ الكتابة الإبداعية تكمن في جميع الأشكال الشعرية. جربتُ القصيدة العمودية في بداياتي، ثم انتقلت إلى قصيدة النثر، وأخيرًا كتبت قصائد قصيرة جدًا جمعتها في ديواني الجديد ما تناثر من الورد / نصوص من جحيم الفتنة، الذي قدّمه الشاعر المعروف عبد الرزاق الربيعي بمقال نقدي رصين.
اعتمدت في هذا الديوان على أسلوب لغة التجريب، وهو نمط فني مختلف يمثل تجربة جديدة ومغايرة في مساري الشعري.
*  حدثنا عن روايتك (رداء العاقل) وما أرادت أن تقوله؟ 
ـــ رواية «رداء العاقل» تطرح محاربة الفساد المستشري والقتل المجاني، وتؤكد أهمية دور الشباب في مواجهة الواقع الراهن. استخدمت فيها الأسلوب السحري في بعض المفاصل، واعتمدت على تقنية الأقنعة التي تختبئ الشخصيات خلفها، مما أضفى عنصر التشويق والغموض.
العديد من النقاد والأكاديميين العراقيين كتبوا عنها باعتبارها تجربة جادة ومهمة في مساري السردي.
 *  كيف ترى واقع القصيدة العراقية اليوم؟ 
ـــ نحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى عقد  مؤتمر نقدي موسّع لإيجاد حلول حقيقية لما تمر به القصيدة العراقية من ضعف وتشظٍ.
من المهم إشراك النقاد الشباب وتبني طاقاتهم لضمان تجدد المشهد النقدي.المؤسسات الثقافية يجب أن تحتضن هذه الطاقات للحفاظ على سلامة القصيدة من الترهل والتكرار.
*  وما رأيك في كثرة المهرجانات الشعرية التي تقام مؤخرًا؟ 
ـــ المهرجانات الشعرية الكثيرة أمر إيجابي من حيث المبدأ، لكنها تحتاج إلى معيار نوعي يضمن المشاركة الشعرية الرصينة.
اتحاد الأدباء يقدّم في هذا السياق نقلة نوعية، خاصة مع التركيز على إشراك النقاد العراقيين في تقييم النصوص ومناقشتها، حفاظًا على المستوى الشعري من الانحدار.
*  ما مشروعك القادم؟ 
ـــ أعمل حاليًا على طباعة كتاب نقدي جديد بعنوان  فردوس الكتابة... إدهاش القارئ / مقاربات نقدية في السرد الروائي، سيتضمن هذا الكتاب مقالات نقدية حول تجارب روائية عراقية وعربية مهمة، وهو خطوة جديدة في مشروعي النقدي لتوسيع الفهم الجمالي للسرد.
الخلاصة بين الشعر والإعلام والنقد، تتقاطع تجربة ستار زكم لتشكل خريطة إبداعية غنية بالتحولات والتجريب. في كل محطة من محطاته، ثمة بحث عن الجوهر الإنساني في الكلمة، وعن وظيفة الثقافة في زمن التشتت. وما بين يدي كانت الأبدية ودروس الكتابة يمتد حوار طويل بين الذات والواقع، بين الحلم والذاكرة، وبين صوت الشاعر وصدى الحياة.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير