
الفنان الرائد سليم الجزائري، فنان ومعلم ومخرج مسرحي من جيل السبعينيات. ولد في المدحتية في محافظ بابل، درس المسرح في العراق اولا، ثم سافر الى جيكوسلوفاكيا والسويد، وغرف من تجربتهم المسرحية وتخرج من اكاديمية الفنون الدرامية ببراغ تشيكوسلوفاكيا سنة 1971، ودرس مادة الدراما في عدد من المعاهد والكليات العربية والاجنبية. وعاد للعراق ليقدم خلاصة دراسته للطلبة، وعلى خشبة المسرح، في أعمال كبيرة ظلت تردد اسمه طويلا.
غادر العراق بعد تعرضه للحجز والمساءلة من أجهزة الامن الصدامية ومن ثم مضايقات وملاحقات مستمرة .
استلهم الجزائري الكثير من نصوص المسرح العالمي، فقدم اعمالا مسرحية قيمة تنوعت بين مسرح الطفل والتجريب والحداثة، كما استلهم الكثير من نصوص المسرح العالمي، وكانت ابرز خطواته في مجال الاخراج خلال فترتي السبعينيات والثمانينيات مسرحيات (الرجل الذي لم يحارب) لممدوح عدوان و(المجنون ) لموليير ، و(الثعلب والعنب ) وهي من الأدب اللاتيني، ومسرحية ( راشامون ) فضلا عن الأعمال الخاصة بمسرح الطفل ومنها ( قطر الندى والسنافر السبعة ) و( جيش الربيع ) و( قنديل علاء ) . له اهتمام خاص بـ «مسرح الطفل» وحاضر في دورات عن مفهوم «الدراماتورجي والكتابة في مسرح الطفل».
استعانت به الفرقة خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات مع العديد من المخرجين الكبار من خارج تشكيلتها الإدارية واستطاعوا أن يجذروا المسرح التجريبي العراقي وانتشاره عربياً وأصبحت هناك اساليب ومدارس خاصة بهؤلاء المخرجين المبدعين، وكان تحديثهم للمسرح العراقي وتجربة الفرقة القومية من أهم اسباب انتشار المسرح العراقي عربياً
وإذا كانت المراحل الأولى لنشأة الفرقة القومية للتمثيل متسمة بأعمال مسرحية جادة ورصينة مثل:(حفلة سهر من أجل 5 حزيران)، (البيك والسايق)، (الثعلب والعنب)، (جلجامش)، (خادم سيدين)، (المتنبي)، (كلهم أولادي). لكن عروضا مسرحية لاحقة راحت تعمل في منافسة محمومة مع الفرق المسرحية التجارية، وأخذت الحركة المسرحية تتسابق من أجل تحقيق مسرحيات تجارية بالغة الإساءة إلى المتلقي. واتسع هذا الجدل ليصبح للتشبيهات المسرحية مسرحها الذي تنتجه وتتابعه النخبة، إلى جانب مسرح يقع في جدل مع متفرج يعرف جيدا طبيعة الإسفاف والرداءة التي تخاطبه على خشبة المسرح.
لذلك ضمت الفرقة القومية للتمثيل ثلة إبداعية من المخرجين الذين امتازوا بتنوع تجاربهم واساليبهم الإخراجية واستفادتهم من دراستهم الأكاديمية في الدول التي درسوا فيها، ومن هؤلاء المخرجون الكبار (سليم الجزائري) ومن أهم أعماله المسرحية (الثعلب والعنب وجيش الربيع، الأشجار تموت واقفة). والمخرج الراحل جاسم العبودي ومن أهم أعماله المسرحية (كلهم أولادي)، والمخرج الكبير الراحل إبراهيم جلال ومن أعماله (المتنبي والشيخ والغانية، البيك والسائق)، وقد اتسم أسلوبه بالمدرسة البرشتية وقد أكمل دراسته العليا في الجامعات الأمريكية. والمخرج الكبير سامي عبد الحميد ومن أهم أعماله (كالكامش هاملت عربياً، عطيل في المطبخ). والمخرج الراحل عوني كرومي ومن أهم أعماله (الخال فانيا، صراخ الصمت الأخرس، رثاء أور)، وكان له مشروعه المسرحي المتأثر بالطريقة البرشتية لكنه استطاع أن يضع بصمته المتميزة في هذا المشروع.
وكذلك عمل في الفرقة القومية للتمثيل المخرج الكبير قاسم محمد، وكان يعد ويكتب أغلب عروضه المسرحية مستفيداً من التراث العراقي والعربي. ومن أهم أعماله (كان يا ما كان، شخوص في مجالس التراث، الباب، طير السعد، حكايات العطش والناس)، واستطاع المخرج الكبير الراحل هاني هاني أن يقدم عروضاً مسرحية عالية التجريب أكدت حضورها في المهرجانات العربية، ومن أهم أعماله (الناس والحجارة، قصة حب معاصرة، ألف أمنية وأمنية).
تقول الفنانة الرائدة الراحلة سليمة خضير: جاء سليم الجزائري، المخرج في الفرقة القومية، بنصٍ يحمل عنوان «الثعلب والعنب»، فاعتذرت من المشاركة في مسلسل تلفزيوني كنت اتحضر له، وبقينا خلال عشرين يوماً في تمارين مستمرة، كانت تضحياتنا فيها أكثر من الجندي، فعملنا ليلاً ونهاراً، وحين قدمناها أذهلنا الأمة العربية بلا مبالغة، وكتبت عنها كل الصحف العربية كثيراً ولأيامٍ متتالية. وكنا عندما نسير في الشوارع يقول الناس عنا بإشارة إلينا «الثعلب والعنب» هذا مثل بسيط.
وقد جاءت أغلب هذه المهرجانات المحلية منها بخطاب سياسي تعبوي يدعم الحرب ورفع الحصار الاقتصادي ولا يمكننا إغفال بعض العروض المسرحية التي تخطت مقص الرقيب “والسلامة الفكرية” بقصد أو بغير قصد، وقد استطاعت أن تعبر عن الواقع المأساوي الذي عاشه العراقيون آنذاك، ورفضها لفكرة الحرب والدعوة الى الحرية وأهمها (الذي ظل في هذيانه يقظاً، المومياء) لغانم حميد، إذ امتاز هذان العرضان بجرأة كبيرة ومستوى عالٍ من الخيال والجمال واستطاعا كسر حواجز الكسل والعجز والسبات التي عانى منها المسرح العراقي في الثمانينيات.
في منتصف ذلك العقد انتشرت ظاهرة المسرح الاستهلاكي أو التجاري، وللأسف، ساهم فيها العديد من الفنانين، وخاصة أن الفرقة القومية بدأت تنتج مثل هذه الأعمال الهابطة والهادفة الى السخرية من الإنسان ورسالة المسرح العظيمة من خلال توظيف الغجر وبنات الهوى في تلك العروض، وجذب نوعا مختلفا من الجمهور الى تلك المسارح وخاصة إنها كانت تعرض في أهم قاعات المسرح مثل (الرشيد، الوطني، الاحتفالات، المنصور)،وكان يقود هذه الأعمال بعض من المخرجين المسرحيين الذين كانوا يعملون في المسرح الملتزم والجاد وركبوا التيار بدعم كبير من المؤسسة الفنية والسلطة السياسية وتجسد هذا الدعم مادياً وإعلامياً وتوظيف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة لتروج لذلك النوع الهابط من الأعمال المسرحية للفت انتباه بعض فئات المجتمع الى تلك العروض دون الانتباه الى ما يحدث من مأساة حقيقية من جراء مغامرات الحروب والخسائر البشرية والمادية التي لحقت بالعراق، وبذلك ساهم هؤلاء الفنانون الذين عملوا في هذا المسرح الاستهلاكي بالإساءة الى شعبهم ومسرحهم وثقافتهم وأخذوا يتفاخروا بما يقدموه على قاعات المسارح وبعلاقاتهم المشبوهة مع بعض المسؤولين من السلطة الحاكمة.
ولهذا عزف الكثير من أعضاء الفرقة القومية عن العمل في المسرح وارتأى القسم الاخر الهجرة خارج الوطن.
إن هذه الظروف السيئة لوضع المسرحي العراقي أدت الى اختراق وهيمنة الطفيليين والمتطفلين والسماسرة والتجار للفرق المسرحية، وبضمنها الفرقة القومية للتمثيل وتحويل الفرقة من التمويل المركزي الى التمويل الذاتي لإرغام الفنان على العمل في أي نوع تريده السلطة والمؤسسات الرسمية. وما زال الفنان العراقي يعاني من تلك التركة الثقيلة دون حلول لها من قبل المؤسسات الجديدة في دائرة السينما والمسرح وخاصة الفرقة القومية للتمثيل.
وكانت هذه الإدارات تضع من يقود الفرقة ممن له باع طويل في علاقاته الشخصية الكبيرة مع هؤلاء المسؤولين وليس على اساس الكفاءة والتمييز والاستحقاق وهذا من أهم المشاكل التي واجهتها الفرقة ولا تزال لحد يومنا هذا.
أصدر سليم الجزائري كتاب «البانتومايم» بإطار منهجي فني تاريخي علمي أبستمولوجيا ، يضع حسب زعم المتابعين تراتبيا مع اهم الكتب التي شكلت علامة فارقة في تاريخ الفن المسرحي والاشكال الايمائية ككتب الافاق والاعماق لأودين ديور واعداد الممثل لستانسلافسكي والتكامل الفني في العرض المسرحي للالكسي بوبوف وجماليات الاخراج المسرحي لسيجموند هبنر والمكان الخالي لبيتر بروك وغيرها، لانه قادم من قريحة رجل مسرح عارف بأسرار وخفايا اللعبة المسرحية، مشتغلا لسنين طويلة على فن الممثل حافرا بمعاول قوية في صرح البنية الثقافية لفن المسرح لاسيما وقد اندك الجزائري مع البنية المسرحية الاوربية كونه خريج معاهد جيكوسلوفاكيا بلد الابتكارات الحديثة في المسرح والسينما والبصريات بخاصة .
يشرح سليم الجزائري في كتابه «البانتومايم» كفن تعبيري متنقلا الى القرون الوسطى واكتشافها لشخصية المهرج ـ المعتوه ، وكان يراد به الافلات من طوق الممنوعات لتقديم وجهة نظر اخرى مغايرة وكلنا يعرف مهرج البلاط ـ ـ ووظيفته الاجتماعية في ادخال المسرة الى قلوب ضيوف سيده، باعتباره الشخص الوحيد القادر على قول الحقيقة، وفي الفصل الثالث وهو من امتع الفصول في الكتاب حيث يتجول الكاتب في عصر النهضة والكوميديا ديلارتيه وانماط شخصياتها الارتجالية وصولا لتوضيح مصطلح ( اللازي ) وهي كلمة ايطالية تعني المزاح او الهزل او تجسيد الموقف الساخر حركيا، وهو مصطلح عممته الكوميديا ديلارتيه باعتباره عنصرا رئيسا في الفن الايمائي يلزم كل ممثل بتمييز شخصيته بـ( لا زي) خاص بها، أي لازمة حركية او شفاهية .
في الختام يمثل كتاب البانتومايم للكاتب سليم الجزائري اضافة قيمة وغير مسبوقة للمكتبة الفنية العراقية والعربية في الكتابة بشكل منهجي في الفنون الايمائية والحركية، بشكل يجعلنا نكبر ونثمن هذا المنجز القيم بوصفه علامة فارقة في مدونات الحقول المعرفية الانسانية
يقول المخرج سليم الجزائري عن تجربته الذي قدم للمسرح مسرحيات عدة منها، الثعلب والعنب، حوته يا منحوتة، وله عدد من المؤلفات بمسرح العرائس عاش سنوات من الغربة، تعلم العديد من اللغات، بعد 2003، عاد محملا بمشاريع جديدة، لكن لم يجد البيئة الصالحة عمل في التدريس هناك صار مصدر مهم في الدراسة والتدريس.
وتحدث الجزائري عن تجاربه في مسرح الطفل عن كيف نفرق بين مسرح الطفل في التعليم وبين مسرح الطفل الابداعي، مع امثلة مسرحية من واقع تجربته المسرحية العميقة الاثر قائلا (المسرح بين انسان وانسان هذا الصراع والموقف يقودنا الى مسرح الطفل وكاتب مسرح الطفل كل كلمة يكتبها مسؤول عنها مسؤولية تامة وإلا اصبحت ثرثرة، والانسان يتعلم من تجربته، والطفل يتعلم الكلمات من خلال المشهد المسرحي. ويضيف ان هناك اتجاهين دراما تعليم ، ودراما ابداعية، الدراما التعليم عملت في امريكا، والدراما الابداعية في انكلترا. مضيفا (جئت من براغ كمخرج قدمت مسرحية ، الثعلب والعنب، دخلت مسرح الطفل بعيدا عن المنافسة، قدمت مسرحية ،(القطة التي نسيت الميو) وهي قطة جائعة مر بها الحصان قال لها لماذا تبكين قالت جائعة، مرت بها البقرة شبيج بزونة تبجين قالت جائعة، مرت بها البزون قال لها قولي (ميو) قالت ميو جاءت امها لترضعها، قدمتها في مسرح المنصور وفي السويد، واخر شيء اعمله الآن فلدينا مسرح صغير في السويد (يالدا) يقدم عروض مسرح الطفل، كما قدمت مسرحية (زها حديد ) تكريميا وتقديرا لمسيرتها ، فأنا أريد ان يتعلم الأطفال عن تجربتها كفنانة عراقية صنعت من بلدها اسما كبيرا في عالم التصميم والنحت. كانت هناك لذة لا توصف.
مضيفًا أن أهمية مسرح الطفل تكمن في قوة تأثيره على طرق التفكير والاعتقادات والقيم والعاطفة والسلوك لدى المتلقي والطفل الممثل على حد سواء، إضافة لتنمية التذوق الجمالي والفني وتنمية المهارات واكتشاف الذات ومواهبه وقدراته، كما تساهم في كثير من الاحيان بعلاج حالات الانطواء او مشاكل عيوب النطق لدى الممثلين الصغار.
مشددا على أن لمسرح الطفل مخرجات مهمة تتمثل في الاجيال الواعية المتوازنة فكريًا ونفسيًا وسلوكيًا، نظرا لامتلاكها مهارات حياتية، وقدرة على تذوق الجمال والتفاعل مع الفنون.. وأشار إلى حاجة مسرح الطفل لصياغة من قبل الجهات المسؤولة لدعمه وتوفير البنية التحتية الملائمة لإقامة عروض على مستوى يحقق الابهار والتطلعات المأمولة، إضافة لتوفر مؤلفين متمكنين من معالجة قضايا الطفل بحرفية عالية تتوافق مع عقليته ونفسيته المتغيرة المناسبة للعصر الحالي.. ثم تحدث عن (خلاصة تجربته الابداعية الطويلة في كتابة القصص والروايات ومسرحيات الأطفال التي تعتمد بدرجة كبيرة على تقديم اللوحات الاستعراضية باستخدام مجاميع كبيرة من الاطفال)، مشيرا إلى (أن الجمهور يتفاعل بشكل كبير مع وجود الاطفال على خشبة المسرح).
لقد أصبح الفنان المحترف مثل سليم الجزائري المتعدد المواهب داخل صندوق الدولة إذا لم يمش على ما تريده الدولة يقطع رزقه .. وثمة مسرح حرب ومسرح تجاري لم يكن فيهما إبداع أبدا، وان اغلب اعضاء المسرح التجاري زحف من قاع المدينة، وان كل السلطة السابقة بثقلها لم تستطع أبدا من اختراق اكاديمية الفنون الجميلة.. ولقد بدأت مرحلة الاضمحلال إذ اخذت تنتهي الفرق المسرحية بين عامي 1987 وحتى العام 1992.. ولقد عبر مسرح الصامت الموسيقى منذ 1984 عن دراما الاضمحلال بالحركات فإن البوابين صاروا وزراء وضربت النكسة المسرح العراقي عدا الحرب بانحدار الفنون.. وانحدرت ثقافة الحضور للمسرح انحدارا مخيفا ونال من القسوة الفجة ما جعله في تمرد على طول الخط ، فكانت الهجرة والهروب من وطن القهر والتعسف والسجون .