رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
قحطان جليل صانع السينما والمسرح بين الإبداع والمعاناة


المشاهدات 1253
تاريخ الإضافة 2025/10/15 - 9:17 PM
آخر تحديث 2025/10/18 - 9:08 AM

ينبثق في مشهد الفن العراقي فنانٌ من طراز خاص، اسمه  قحطان جليل ، الذي لا يكتفي بأن يكون جزءاً من السرد الفني، بل يسعى لأن يقود تياره. مثقفٌ حساس، مخرج وممثل ومنتج، حياته الفنية رحلةٌ متشابكة بين الدراسة الأكاديمية، الممارسة المسرحية والتلفزيونية، وبين الظروف السياسية والحروب التي أثرت ولا تزال تؤثر في الإنتاج الفني. من ديالى إلى كلية الفنون الجميلة، ثم إلى سكّة الإنتاج والإخراج، كانت مسيرة  قحطان جليل  مرآةً لواقعٍ مضطرب ولكنها أيضاً شهادة على قوة التصميم والأمل في إعمار الفن رغم العواصف. هذا الحوار يحتضن ذكريات البدايات، رؤى الحاضر، طموحات المستقبل، وآراء قالها ويريد أن يسكنها الفن العراقي.
* أهلا ومرحبا بك أستاذ قحطان وأنت الضيف العزيز .
ــ أهلا وسهلا بكم وانتم تتابعون الفن بأنواعه المسرح والسينما والتشكيل وكل أنواع الإبداع العراقي .
* لنبدأ الحوار ونسألك اولا كيف بدأت نشأتك الفنية، وما خطواتك الأولى في المشوار الإبداعي؟
ــ بدايتي كانت في محافظة ديالى عام 1954، وترعرعت في جوٍّ عاديٍّ، لكنّ الشرارة الأولى انطلقت في مرحلة الخامس الإعدادي، حينما حضر إلينا مدرس جديد، خريج أكاديمية الفنون الجميلة، اسمه المرحوم  قائد النعماني ، الذي أسّس فينا التساؤل عن إمكانيّة أن نجعل الفن طريقنا. بفضله ومعه تشكّل لدينا الطموح، وقررنا كمجموعة التقدّم لأكاديمية الفنون الجميلة. تم قبول خمسة منّا، وكان لي شرف أن أكون منهم.
* وماذا عن دراستك؟
ــ دخلتُ الأكاديمية عام 1974 في قسم السينما – الذي يُعرف اليوم بالقسم السمعي البصري – وتخرجت عام 1979. وبعد انتهاء الدراسة، قُدمتُ إلى دائرة السينما والمسرح، حيث تمّ قَسمي في البداية إلى التدريس، ثم تحولت إلى العمل الفني والإداري والتنفيدي.
* ما ملامح نشوء السينما في العراق كما تراها؟ 
ــ للسينما العراقية تاريخ عريق، فقد نشأت مبكّراً، وكان القطاع الخاص يُنتج ويوزع الأفلام، وكانت الدورة السينمائية مفعمة بالحركة في بغداد، ودور العرض كثيرة، وكان الجمهور يعشق التجربة السينمائية.
* وكيف تبدو السينما العراقية اليوم؟
ــ لقد تدهورت الأمور بسبب الحروب التي مرّ بها البلد. السينما أصبحت موجهة سياسياً، أو محسوبة على الحروب، صرنا جزئياً نصوّر «المعركة»، ونتعامل مع أفلامٍ تخدم أهدافاً عسكرية أو سياسية، وتغيب قضايا الفرد والمجتمع. وبسبب هذه الإيديولوجيا، انسحب القطاع الخاص، وباتت الدولة هي التي تنتج أفلامها التي تخدم أغراضها، حتى توقفت السينما بالكامل بعد 2003 تقريباً.
* برأيك، ما مقوّمات صناعة سينما عراقية رصينة يمكن أن تُعيد الكلمة إلى مكانها؟
ــ أول المقوّمات التمويل، ثم كتابة السيناريو القوي، وجود دور عرض، معدات فنية حديثة، كوادر متخصصة – ممثلون، مخرجون، مهندسو تصوير، إضاءة، مونتاج – كل هذا ضروري. إن توفر التمويل تستطيع استقدام خبراتٍ من الخارج، أو إرسال شباب للتدريب والمشاركة، فالشباب موجود، والمواهب موجودة، لكن تحتاج إلى البنية الصحيحة.
* ما مدى قدرة القطاع الخاص على حمل هذه المسؤولية لوحده؟
ــ القطاع الخاص وحده لا يكفي. لأنه لا يستطيع، في ظل الظروف الحالية، تأمين كل هذه المقوّمات، خصوصاً المالية منها. لذلك الدولة يجب أن تلعب دور المحفّز والمنظّم والداعم.
* هل كان مشروع «بغداد عاصمة الثقافة» ممثّلاً لطموحاتكم؟
ــ لا، للأسف، كان مجرد حركة سريعة، يراد منها الظهور لا أكثر. انتهت الفعالية بسرعة، ولم يكن بمقدورها أن تترك أثراً حقيقياً أو أن تغير واقع الإنتاج الثقافي.
* ما أقوى أساسٍ من وجهة نظرك؟
ــ التمويل أولاً. وبعده كتاب السيناريو، دور العرض، مدى اطلاع الفنان، التواصل المستمر، والممارسة العملية.
* هل تقول إن الممثل في العراق غير موجود أو أن المشكلة معه؟
ــ بالعكس، الممثل موجود، الأكاديميات تخرج الكثيرين، المواهب موجودة. المشكلة ليست في الجهات الفاعلة بل في من يقودها ــ المخرج، المنتج، الكتاب الذين لا يُعطون العمل زمنه، ولا يُجيدون أدواتهم، مما يُفقد كثيراً من الإمكانيات.
* وهل لك تجربة جعلت من هذا التأثير أمراً واقعياً؟
ــ نعم، في أحد المسلسلات ضممت خمس وجوه جديدة غير معروفة، وعُرفت فيما بعد ونجحت في الوسط الفني، وأعتبر هذا استثماراً في المستقبل.
* ماذا عن الدوائر الحكومية المتخصصة؟ مثل دائرة السينما والمسرح؟
ــ البداية كانت بمصلحة السينما والمسرح برئاسة الفنان يوسف العاني، وهي خطوة جيدة للتأسيس، لكنها جمعت بين الفنون التي تختلف أدواتها ومنهجها: السينما والمسرح والفنون الشعبية. هذا الخليط سبب الكثير من التشويش. 
وفي الوقت الراهن، تم اقتراح فصل السينما عن المسرح، وفي حينها كان الوزير قد بدأ هذا الفصل، لكن التنفيذ تأخّر بسبب دمج الدوائر والعوائق الإدارية.
* ما الذي يحتاجه السينمائي أو المسرحي من دعم أو تغيّر؟
ــ يحتاج إلى اطلاع وثقافة عامة، استمرارية في الإنتاج، فرص للممارسة، بيئة فنية متكاملة، وكذلك إلى البثّ الدائم في القنوات الرسمية والتلفزيون وإذاعة الأعمال، لتصبح جزءاً من حياة الجمهور، لا أن تكون فعلاً موسميّاً أو عرضاً عابراً.
* كيف كنت ترى دور قناة “الحضارة”، وإذا ما كان إيقافها مؤثّراً؟
ــ كنا نأمل أن تلتحق بقسم السينما، وأن تُستخدم الاستوديوهات والكادر فيها لبناء سينما عراقية قوية. إيقافها خسارة لأنها منصة إمكانياتها متوفّرة ويمكن أن تُحدث فروقات إذا ما أُديرت بشكل منضبط.
* ما حال المسرح اليوم؟
ــ المسرح العراقي في وضعٍ يرثى له. المسرح الوطني والأهلي يعانيان، العروض قليلة، المعايير الفنية ليست حاضرة، الأداء غالباً دون المستوى، لا صوت سياسات واضحة لرِعايته. رغم وجود تعليمات وتقنينات من أعلى الجهات إلا أنها لم تُنفّذ. المسرح مفقود من الساحة الحقيقية، والظروف السياسية والأمنية أثّرت حينها بشكل كبير، كذلك غياب الدعم.
* وأنت ماذا قدمتَ في الإذاعة والتلفزيون؟
ــ الإذاعة والتلفزيون هما المنفذ الرئيسي لأي عمل فني وثقافي في العراق. معظم أعمالي – أفلام، مسلسلات، دراما تلفزيونية، إخراج، سيناريو – مرت عبرهما. هذه الوسائل هي التي تصل إلى الجمهور، ومعها تُترجم الفكرة إلى فعل محسوس.
* كثيرون يقولون إن الوضع الأمني كان يقف عائقاً أمام الحركة الفنية، فهل تتفق؟
ــ لا يمكن إنكار بعض التأثيرات الأمنية، لكنها ليست العائق الوحيد. المسرح، مثلاً، نجح في تنظيم مهرجان المسرح العربي الأول في زمنٍ لم يكن فيه كل شيء مهيّئاً، وكان النجاح باهراً والحضور كبيراً.
 أعتقد أن بعض المتحدثين يستخدمون الوضع الأمني كذريعة لعدم الإنتاج، بينما الواقع أن النوع والجودة هما من يحددان مدى حضور العمل وليس البيئة وحدها.
* هل نتعرف على بعض نشاطاتك الفنية ؟
ــ في مسيرتي قدمت العديد من النشاطات الفنية ومنها اخراج مسلسلات مثل ــ شخصيات لم يُنصفها التاريخ ــ القلم والمهنةــ  أفلام مثل الاقتحامـ ــ دعوة للإنقاذ ــ  وغيرها، بالإضافة إلى مشاركاتي التمثيلية داخل العراق وخارجه، ومسرحيات قدمتها في العمل المسرحي الخارجي، في ألمانيا. 
* عرفنا على آرائك في السينما والمسرح وغيرها ؟
  1. إن التمويل هو الأساس الذي بدونِه لا تنهض السينما ولا المسرح.
  2. إن وجود كوادر متخصصة (كتاب سيناريو، مخرجون، ممثلون) لا يكفي إن لم يكن هناك دعمٌ مؤسسي وفني وتقني.
  3. إن الدولة ينبغي أن تهيّئ البنية الأساسية، وتفصل دوائر السينما عن المسرح، لتصبح صناعة مستقلة بكل مقوماتها.
  4. إن العمل الفني بحاجة إلى وقت وإعداد، لا إنتاجٍ سريع يفتقد الجودة.
  5. إن المسرح الآن غائب تقريباً، وأن الإنتاج المسرحي قاصر على الظهور العرضي دون عمقٍ فني أو رؤيا واضحة.
* شكرا لك أستاذ قحطان متمنين لك دوام العافية.
الخلاصة
قحطان جليل لا يتحدث كمتفرّج، بل كمشتغلٍ بالفن، رجلٌ آمن بأن السينما والمسرح ليسا رفاهيةً بل لبنة حضارية، وأن لكلّ قصة تُروى ومستحقّ لكي تُسجّل، وأن للممثل دوراً أكثر من أداء على خشبة خشب أو أمام كاميرا، بل أن يكون صاحب رسالة وفكر وموقف..  الفن عنده مرآة المجتمع، ووسيلة للتغيير، ولكن لا يُبنى إلا على أسسٍ متينة .


تابعنا على
تصميم وتطوير