تجتاح المغرب موجة احتجاجات شبابية انتشرت في العديد من المدن الصغيرة و الكبيرة منها ، يقودها شباب يافع أطلق على نفسه إسم ( GENERATION Z )، و معناها جيل الشباب الذي ولد في الفترة الممتدة من سنة 1997 إلى سنة 2015 ، خرج إلى العلن بعدما ضاقت قنوات صرف الحوار و النقاش العمومي ،و بعدما تعطلت وسائل الحوار التقليدية و ضاقت مساحات هذا النقاش في الوسائط التقليدية من مؤسسات دستورية و حزبية و نقابية ، و لم تستطع وسائل الإعلام ،خصوصا العمومية منها ، استيعاب الحاجيات الجديدة لجيل من الشباب الذي لم بجد نفسه في كل البناء الذي شيدته البلاد على مر سنين طويلة .
حركات احتجاجية اصطدمت مع واقع لا يلبي حاجيات الشباب ،و من خلاله حاجيات فئات عريضة من المجتمع ،خصوصا في قطاعات اجتماعية استراتيجية كما هو عليه الحال في الصحة و التعليم الذي يحتل فيهما المغرب مراتب جد متأخرة في مجمل التصنيفات الصادرة عن المنظمات الدولية المختصة . إذ رغم الإمكانيات المالية الضخمة التي رصدت لهذه القطاعات ، و رغم توالي الإعلان المتكرر لبرامج الإصلاحات في هذين القطاعين ، ورغم ما توفر لحد الآن من بنية تحتية ضخمة خصوصا في قطاع الصحة، إلا أن الواقع لم يتغير كما كان متوقعا ، بما يطرح إشكالية حقيقية تتمثل في الحكامة الجيدة و التدبير المثالي الذي يمكن من تحقيق النتائج الإيجابية المنتظرة .
الحركات الاحتجاجية التي استأنفت نزولها إلى الشوارع بعد فترة توقف مؤقتة بعد أحداث الشغب و التخريب التي عرفتها الاحتجاجات في كثير من المدن ،و أفضت إلى ضحايا و خسائر مادية في الممتلكات الخاصة و العامة بسبب تسلل مخربين و مندفعين من قاصرين وغيرهم إلى هذه الاحتجاجات ، بما يؤشر على إصرار المحتجين السلميين على ضرورة الاستجابة الفورية لمطالبهم التي ساد ما يشبه الإجماع على شرعيتها .
و الحقيقة فإن هذه الاحتجاجات تمثل تنبيها واقعيا للمسؤولين في البلاد المطالبين بقوة بالتفاعل الإيجابي الفوري معها ، بالنظر إلى توقيتها و إلى خطورة ما قد يترتب عنها لاحقا في حال عدم التجاوب السريع معها .
ما يعطي شرعية أكثر لهذا الحراك الشبابي المغربي أنه يطالب بالإصلاحات في قطاعات اجتماعية و بمحاربة الفساد في ظل الاستقرار العام ، و لم يسجل على طول الخريطة التي انتشرت فيها الاحتجاجات أن تجاوزت المطالب هذا السقف ، بل و وقع إصرار على تحديد السقف في مطالب اجتماعية و في المطالبة باستقالة الحكومة ،و هو ما يكسب الحراك شرعية حظيت بما يشبه الإجماع من طرف مختلف الفاعلين السياسيين و النقابيين و الحقوقيين ، بما في ذلك الحكومة المغربية التي أعلنت عن تفهمها للمطالب و استعدادها الكامل للحوار و الشروع الفوري في الإصلاح . و هو معطى يؤكد ما حدث في مرات سابقة حينما انخرط المغاربة قبل 14 سنة في موجة الربيع العربي ، و خرج المغاربة منتصرين في امتحان لم يكن سهلا حيث بادر جلالة الملك محمد السادس بالإعلان عن وصفة مستعجلة تمثلت في رزمة إصلاحات دستورية و سياسية لاقت تجاوبا و قبولا من طرف المغاربة ، و هذا ما يفتح أبواب الآمال العريضة في هذا التوقيت الصعب للإعلان عن جيل جديد من الإصلاحات الحقيقية في المجالات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية ،بما يؤشر مرة أخرى على قدرة المغاربة على تجاوز الأزمنة الصعبة