رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
ما بعد غزة.. التقاط الأنفاس لمواجهة إقليمية!


المشاهدات 1357
تاريخ الإضافة 2025/10/14 - 9:01 PM
آخر تحديث 2025/10/18 - 9:08 AM

في تطور لافت، التقى الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة، في وقت حساس تمر فيه منطقة الشرق الأوسط بمرحلة دقيقة من الترقب والضبابية. ويمكن القول ان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، يفتح الباب أمام قراءات متعددة بشأن ما يحمله من دلالات، خاصة في سياق التحولات الجيوسياسية المتسارعة.
اللقاء يبدو بمثابة محاولة لإعادة تموضع دبلوماسي للولايات المتحدة في ملفات الشرق الأوسط، خاصة في ظل حديث البعض عن اتفاق يشمل أطرافًا متعددة منها ترامب نفسه، إلى جانب شخصيات مثل كوشنر وتوني بلير. وإذا كانت التهدئة في غزة هدفًا معلنًا، فإن ما بين السطور يحمل أكثر من مجرد وقف إطلاق نار. فالمنطقة تعيش حالة من إعادة ترتيب النفوذ، وتحريك ملفات كانت مجمدة، على رأسها الصراع الإسرائيلي‑الفلسطيني، والملف الإيراني.
في هذا السياق، لا يمكن النظر إلى تهدئة غزة باعتبارها بداية لمسار سياسي شامل. الواقع أن الاتفاق هو تهدئة تفرضها الحسابات السياسية والأمنية الراهنة، وقد تكون تهدئة إلى اجل مسمى، خصوصًا في ظل تجارب سابقة أثبتت أن الحكومة الإسرائيلية، خاصة تحت قيادة نتنياهو، لم تلتزم باتفاقات وقف إطلاق النار طويلاً، بل استخدمتها في بعض الأحيان كوسيلة لالتقاط الأنفاس.
من جهة أخرى، فإن مصر، بحكم موقعها الجغرافي والسياسي، تنتهج مقاربة تقوم على التوازن والحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وهي تاريخيًا رفضت الانجرار إلى مواجهات مباشرة تتعارض مع مصالح الأمن القومي العربي.
من جهة أخرى، فإن السيناريو الأخطر الذي يتردد في بعض الأوساط الأميركية والإسرائيلية هو اندلاع مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، وهو احتمال يكتسب زخماً مع تسارع الاستعدادات العسكرية في المنطقة. تحركات الأساطيل، وزيادة الدعم اللوجستي في قواعد أميركية بالمنطقة، إلى جانب تصعيد الخطاب السياسي، كلها مؤشرات تُثير مخاوف من أن التصعيد قد لا يكون بعيدًا.
هنا، يبدو أن نتنياهو يُراهن على خلط الأوراق، بحيث تنتقل الأنظار من غزة والضفة إلى ساحة أوسع وأكثر تعقيدًا. فلو اندلعت مواجهة مع إيران، فإن كل الملفات الأخرى ستُدفع إلى الخلف: من القضية الفلسطينية إلى المفاوضات الإقليمية. وقد يكون ذلك هو أحد أهدافه السياسية، خاصة في ظل التحديات الداخلية التي يواجهها داخل إسرائيل.
بالنسبة لإدارة ترامب، فإن المسألة تتجاوز إيران أو غزة، لتلامس طموحاته السياسية مجددًا على الساحة الدولية، لا سيما وهو يسعى إلى تقديم نفسه مجددًا كفاعل دولي قادر على إبرام الصفقات وتثبيت التوازنات. من هنا يمكن فهم زيارته للقاهرة بأنها تحمل أيضًا رسالة للداخل الأميركي بأنه لا يزال حاضرًا في ملفات السياسة الخارجية.
أما على الأرض، فإن الواقع يُظهر أن إيران لا تزال تحتفظ بهامش كبير من القدرة على الرد، وأن أي مواجهة ستكون لها انعكاسات على أكثر من جبهة، بما في ذلك الخليج وسوريا ولبنان. ومع أن طهران تسعى إلى تجنب الحرب الشاملة، إلا أن الرد على أي استهداف مباشر سيكون حتميًا، ما يجعل فكرة الحرب نفسها محفوفة بالمخاطر لكل الأطراف.
في ضوء كل ذلك، فإن اتفاق التهدئة في غزة لا تحمل ضمانات طويلة الأمد. وهو لا يعكس تحولًا استراتيجيًا بقدر ما يُجسد لحظة سياسية فرضتها الضغوط الإقليمية والدولية. ومع أن بعض الأطراف ترى فيه بداية نحو مسار سياسي، إلا أن المؤشرات على الأرض تدل على أن الطريق لا يزال طويلًا ومعقدًا، وأن احتمالات التصعيد في ملفات أخرى قد تطغى سريعًا على ما تحقق مؤخرًا.
الخلاصة أن المنطقة تقف أمام مفترق طرق حقيقي. مصر تُكرّس موقعها كفاعل متوازن، يسعى إلى التهدئة والحفاظ على الاستقرار، بينما تلعب قوى دولية على حافة التصعيد. ومع استمرار غموض المواقف وتبدل التحالفات، فإن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في رسم شكل المرحلة المقبلة، سواء اتجهت إلى تسويات هشة، أو إلى تصعيد غير محسوب في منطقة أنهكتها الحروب.


تابعنا على
تصميم وتطوير