رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
اليوم العالمي للترجمة ... العراق منارة الماضي وجسر الحاضر


المشاهدات 1140
تاريخ الإضافة 2025/10/01 - 9:31 PM
آخر تحديث 2025/10/02 - 7:08 PM

اللغة هي أداة الإنسان الأولى للتواصل، والترجمة هي الوسيلة التي منحت هذه اللغة جناحين لتسافر بين الشعوب والثقافات. فمنذ فجر التاريخ، كان المترجمون جنودًا مجهولين يقفون في الخلفية، ينقلون الفكر والمعرفة، ويحولون الاختلاف إلى فرصة للتقارب. 
وفي تقدير لهذا الدور، خصصت الأمم المتحدة يوم 30 أيلول/سبتمبر من كل عام ليكون اليوم العالمي للترجمة، تكريمًا للمترجمين الذين يربطون العالم بالكلمة والمعنى.
خلفية تاريخية
اختيار هذا التاريخ ليس اعتباطيًا؛ فهو يوافق ذكرى وفاة القديس جيروم، مترجم الكتاب المقدس إلى اللاتينية، والذي عُدّ رمزًا للتفاني في خدمةل الترجمة والمعرفة.
وقد تبنى الاتحاد الدولي للمترجمين (FIT)، الذي أسس عام 1953 في باريس، فكرة إحياء هذا اليوم منذ عام 1991 لإظهار وحدة المترجمين في العالم. 
وفي عام 2017، جاء اعتراف الأمم المتحدة رسميًا بقرارها (A/RES/71/288) الذي أقر 30 سبتمبر يومًا عالميًا للترجمة، تأكيدًا على أن الترجمة ليست مهنة ثانوية، بل هي ركيزة للتنمية والسلام الدولي.
 العراق ونهضة الترجمة العباسية
إذا كان العالم اليوم يحتفل بالترجمة كجسر للتقارب بين الأمم، فإن العراق كان أول من شيد هذا الجسر منذ أكثر من ألف عام.
في العصر العباسي، ومع ازدهار بغداد كعاصمة للخلافة، أسس بيت الحكمة، الذي يُعد من أعظم المؤسسات العلمية والثقافية في التاريخ الإسلامي.
هذا الصرح لم يكن مجرد مكتبة ضخمة، بل كان مركزًا عالميًا للبحث والترجمة والابتكار.
ترجم فيه العلماء مؤلفات من اليونانية، الفارسية، السريانية، والهندية إلى العربية، مما أدى إلى انتقال علوم الطب، الفلك، الرياضيات، والفلسفة إلى الحضارة الإسلامية.
 أعلام الترجمة في بغداد
حنين بن إسحاق: الطبيب والمترجم الشهير الذي نقل مئات الكتب الطبية والفلسفية، وأسس منهجًا علميًا في الترجمة قائمًا على الدقة والتحقيق.
ابن المقفع: الذي قدّم التراث الفارسي للعالم العربي بترجماته الأدبية الخالدة مثل كليلة ودمنة.
آل بختيشوع: أسرة عريقة في الطب، جمعت بين الممارسة الطبية والترجمة العلمية.
الكندي: الفيلسوف الذي لم يكتف بمراجعة الترجمات بل أضاف إليها شروحًا ومقاربات جديدة.
 أثر العراق في العالم
هذه الجهود جعلت من بغداد قلب الثقافة الإنسانية في القرون الوسطى. ومن العراق انتقلت المعارف إلى الأندلس وصقلية، ومنها إلى أوروبا، لتكون قاعدة للنهضة الأوروبية. 
بمعنى آخر، فإن الترجمة العراقية في العصر العباسي لم تخدم الحضارة الإسلامية فقط، بل ساهمت في صياغة التاريخ العلمي العالمي.
أهداف اليوم العالمي للترجمة
يهدف هذا اليوم إلى:
إبراز الدور الحاسم للمترجمين في نشر المعرفة وتعزيز الحوار الحضاري.
الدفاع عن حقوق المترجمين وحماية مكانتهم المهنية.
رفع الوعي بأن الترجمة هي علم وفن معًا، وليست مجرد عملية لغوية.
تعزيز التعددية الثقافية وضمان وصول المعلومات إلى جميع الشعوب.
 الاتحاد الدولي للمترجمين (FIT)
يضم أكثر من 150 جمعية مهنية في نحو 60 بلدًا، تمثل ما يزيد على 80 ألف مترجم.
يعمل على رعاية الجمعيات المهنية في الدول، وتسهيل التعاون بينها، وتدعيم الأبحاث والتدريب.
أسس مراكز إقليمية لدعم التفاعل، مثل مركز أمريكا الشمالية (1986) ومركز أوروبا (1993).
ينظم مؤتمرات دولية، ويصدر منشورات مثل BABEL وTranslatio، كما يمنح جوائز مرموقة منها جائزة اليونسكو للترجمة.
 شعارات ومواضيع الأعوام السابقة
كل عام يطلق الاتحاد شعارًا خاصًا يعكس تحديات المهنة ورسالتها:
2019: «الترجمة ولغات السكان الأصليين».
2020: «إيجاد الكلمات لعالم في أزمة».
2023: «الترجمة تكشف وجوه الإنسانية المتعددة».
2024: «الترجمة… فن يستحق الحماية».
هذه الشعارات تعكس أن الترجمة ليست فقط نقل كلمات، بل هي موقف إنساني من العالم.
الترجمة في عصر العولمة
اليوم، ومع التطور التكنولوجي، ظهرت أدوات الترجمة الآلية والذكاء الاصطناعي، لكنها لم تستطع أن تحل محل المترجم البشري الذي يجمع بين اللغة والثقافة والإحساس. 
الترجمة هي فن الفهم العميق، وبدونها لا يمكن أن تقوم الدبلوماسية، ولا يزدهر البحث العلمي، ولا تتحقق العدالة الثقافية بين الشعوب.
 خاتمة
الاحتفال باليوم العالمي للترجمة هو مناسبة للاعتراف بفضل المترجمين الذين جعلوا من العالم قرية صغيرة، ومن الكلمة لغة مشتركة للإنسانية.
وبالنسبة للعراق، فهو ليس مجرد مشارك في هذه المناسبة العالمية، بل هو مبتكرها الأول في تاريخه العباسي، حين جمع العلماء والمترجمين في بغداد ليحوّلها إلى منارة للعلم.
إن يوم 30 أيلول ليس مجرد تاريخ على التقويم، بل هو دعوة متجددة لأن نتذكر أن الترجمة هي الذاكرة الحية للحضارة، وأن العراق كان وما زال حجر الأساس في هذا الصرح الإنساني العظيم.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير