رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
هادي أبو ألماس رحلة مصمم من لوحات الطفولة إلى فضاءات الإبداع


المشاهدات 2209
تاريخ الإضافة 2025/10/01 - 9:28 PM
آخر تحديث 2025/10/13 - 7:08 PM

في هذا الحوار نستعيد رحلة فنية وثقافية مفعمة بالشغف والإصرار مع أحد المصممين العراقيين الذين رسموا معالم تجربتهم بين فنون الخط العربي، والرسم، والتصميم الطباعي، والمشاركة في معارض ومهرجانات ثقافية كبرى. منذ طفولته في مدينة الصدر، مروراً بمحطات التعليم والتشجيع المدرسي، وصولاً إلى تجربته في معهد الفنون التطبيقية، ثم انخراطه في تصميم أغلفة الكتب والملصقات الثقافية، تبرز أمامنا مسيرة حافلة بالدروس، والمفارقات، والنجاحات، والخيبات أيضاً. حوارنا معه يكشف لنا كيف تشكلت بداياته، وما الذي تعلمه من أساتذته الكبار، وكيف يرى التصميم بين كونه فناً وإبداعاً وبين كونه مهنة لها قيودها.
* اهلا ومرحبا بك في الزوراء جريدة المبدعين .
ـ اهلا ومرحبا بكم وبالزوراء الحبيبة .
* حدثنا عن البدايات الأولى، أين كانت طفولتك وكيف تعلقت بالخط العربي؟
- طفولتي كانت في مدينة الصدر (الثورة سابقاً) قطاع (55)، وكنت أدرس في مدرسة الحكمة الابتدائية للبنين في قطاع (6). كان المشوار طويلاً جداً بالنسبة لطفل صغير مثلي. وأنا في طريقي للمدرسة (ذهاباً وإياباً) كنت أمر بمحلات تجارية عديدة: صيدلية، حلاق، خياط، ساعاتي، ووكيل أجهزة كهربائية. كنت أتمعّن بجمال لوحات محلاتهم التجارية، لكن محلين فقط كانا يستوقفاني دائماً: محل الخطاط عبد الرزاق ومحل الخطاط محمد الجنابي. هناك رأيت كيف تُكتب اللوحة بخط جميل وألوان زاهية، ومن هنا بدأ ينمو عندي حب الخط العربي. لم أجد حينها من أسأله عن طريقة تعلم هذا الفن، إلى أن جاءت الصدفة ورأيت أحد أصدقائي في الطفولة، زكي عبد الكريم، يكتب بخط جميل بقلم «ماجك» عريض. تعلمت منه أولى خطواتي: طريقة مسك القلم، وأنواع الخطوط مثل الرقعة والنسخ والكوفي.
* وكيف كانت محاولاتك الأولى في الكتابة بالخط العربي؟
ــ بدأت بكتابة اسمي واسم مدرستي على كتبي ودفاتري بقلم «سلاية» رفيع استعرته من صديقي زكي. لم أكن أعرف قواعد الخط، لكني كنت أكتب بحب وشغف. أردت أن يلاحظني معلم الفنية، فتعمدت أن أكتب اسمي بخط جميل على دفتر الفنية، وقد أعجب بكتابتي ونصحني أن أتمرن على خط الرقعة باستخدام قصبة وورق صقيل، وأن أشتري كراسة الخطاط يوسف ذنون. بالفعل تمرنت قليلاً وتلقيت تشجيعاً من الأهل والجيران، ومن هنا بدأت متاعبي الجميلة مع هذه الموهبة: كتابة نشرات مدرسية وأسماء على الكتب حتى لطلاب أكبر مني.
* ننتقل إلى مرحلة أخرى من الطفولة: ما قصة «فريق الطلقة النارية»؟
ــ مثل كل الصبية، كنا نهوى كرة القدم ونحلم بفرق شعبية مثل الكبار. فكرنا بتأسيس فريق سميناه «الطلقة النارية»، اسم مُهيب كنا نعتقد أنه سيرعب خصومنا، لكنه لم يحمنا من الخسارات. أردنا أن يكون لنا مقر مثل الكبار، فاتفقنا أن يكون جدار بيت «أبو نجم» مقر فريقنا. 
كنا بحاجة إلى لوحة تحمل اسم الفريق. صديقنا زكي عبد الكريم كتبها بخط جميل على كارتون «فايل»، وكانت لوحة مبهرة بالنسبة لنا. وقفت أمامها بدهشة وسألته كيف كتبها، وهنا تعلمت منه المزيد عن الخط العربي. كان شقيقه يحيى معلماً وخطاطاً، ومنه استقى زكي خبرته، وأنا    بدوري بدأت أولى خطواتي بقلم الخط.
* مَن هم الذين شجعوك في بداياتك؟
ــ التشجيع جاء من الأهل والجيران والأصدقاء، وكنت سعيداً أن أكتب لهم ما يحتاجون. أتذكر جارنا «علي جاسم» مصلح الثلاجات، طلب مني أن أكتب اسم ورشته على باب ثلاجة قديم ليجعله لوحة تجارية. كانت تلك أول لوحة تجارية أخطها. اشتريت علبة دهان أسود صغيرة، وبعد الإنجاز أثنى عليّ كثيراً وشكرني. كانت سعادتي لا توصف بذلك الإنجاز البسيط.
* وماذا عن دور المعلمين في دعم موهبتك؟
ــ نعم، لم يقتصر التشجيع على الأهل والجيران. كان هناك أساتذة تركوا بصمة في نفسي. في الابتدائية كان الأستاذ حميد، وفي المتوسطة كان الأستاذ عبد المسيح في متوسطة الرافدين للبنين. الأخير منحني الثقة بكتابة مقولات وشعارات على جدران المدرسة. أيضاً كان لي زميل اسمه وليد خالد، شقيق الرسام المعروف شاكر خالد. وليد كان رساماً مبدعاً رغم صغر سنه، أعجبت برسوماته كثيراً، ومنه تعلمت أساسيات الظل والضوء. هكذا وجدت نفسي أدمج بين الخط والرسم، وبدأت ملامح موهبة التصميم تتشكل عندي.
* يبدو أن التصميم عندك وُلد من تزاوج الخط والرسم، كيف تطور هذا الاتجاه؟
ــ صحيح، الهوايتان سارتا معي جنباً إلى جنب. لم أتعامل معهما كفنّين منفصلين، بل اندمجا عندي لينتجا فن التصميم. بدأت أصمم ملصقات تجمع بين الرسم والخط. كان التصميم بالنسبة لي مساحة أوسع من مجرد لوحة أو كتابة حرف، بل دمج عناصر مختلفة في ملصق واحد يحمل فكرة.
* حضرتَ أيضاً ندوات ثقافية أثرت في رؤيتك. هل تذكر لنا تجربة منها؟
ــ نعم، في منتصف الثمانينيات حضرت ندوة في نادي العلوية أدارها المؤرخ بهنام أبو الصوف عن فن النحت المعاصر. أتذكر مداخلة للدكتور عبد المرسل الزيدي قال فيها جملة بقيت عالقة في ذهني: «الفن كسر المُدرك». هذه العبارة جعلتني أتأمل الفرق بين الفن كمهنة والفن كحرية. 
شعرت أني ظلمت موهبتي أحياناً حين دمجتها مع مهنتي كمصمم، لأن المهنة تفرض قيودها ومسارها الذي قد لا يتفق مع الرؤية الفنية.
* حدثنا عن فترة دراستك في معهد الفنون التطبيقية.
ــ كنت محظوظاً أنني تعلمت على يد أساتذة كبار وفنانين مبدعين، مثل صنادر العاني، هناء البرتو، نضال الآغا، إسماعيل العبيدي، محمد فرادي، سامي النصراوي، والخطاط إحسان أدهم. في المعهد تحولت من مصمم فطري إلى مصمم أكاديمي. تعلمت أسس التصميم، التوازن بين الأشكال والألوان، وأهمية إيصال الفكرة للمتلقي. كل أستاذ كان يكمل الآخر في صقل موهبتي.
* هل أثرت المشاركات المدرسية في صقل تجربتك؟
ــ بالتأكيد. كانت المشاركات بمثابة مدرسة ثانية، رسخت عندي حب الوطن والإنسان. صممت ملصقات عن فلسطين، وعن استنكار ضرب المفاعل النووي عام 1981، وعن مؤتمرات علمية. كل مشاركة كانت تبني شخصيتي وتزيد ثقافتي.
* إلى جانب التصميم، مارست الرسم الكاريكاتيري. كيف بدأ الأمر؟
ــ تأثرت بالكاريكاتير أثناء الانتفاضة الفلسطينية عام 1986، وخصوصاً برسومات ناجي العلي. شعرت أن الكاريكاتير فن قوي يوصل الفكرة بقدر المقال الصحفي. أرسلت رسوماتي لمجلة «ألف باء» واستقبلها رئيس تحريرها كامل الشرقي بكل تشجيع. نشرت بعض أعمالي في باب «بريشة الأصدقاء». كان فنّاً ممتعاً، لكن التصميم ظل هو الأساس عندي.
* نعود إلى التصميم، كيف تصف الفرق بينه وبين الفنون الجميلة؟
ــ التصميم فن تطبيقي يحاكي الواقع، هدفه الترويج لفكرة محددة بوضوح. بينما الفنون الجميلة تحاكي المشاعر والخيال. لا يمكن مثلاً الترويج للإقلاع عن التدخين بلوحة سيريالية أو تمثال. كل مدرسة لها مجالها.
* حدثنا عن تجربتك في جريدة الجمهورية.
ــ كانت تجربة مهمة، تعلمت من خلالها الطباعة ومراحل إخراج الجريدة. تعلمت توزيع المقالات والصور وأهمية ترتيب المواضيع حسب أهميتها. هناك أيضاً قصة طريفة مع الشاعر سامي مهدي، رئيس تحرير الجريدة. اتصل مرة وسأل ببساطة عن زميل لنا، دون أن يذكر صفته أو منصبه،    فأدركت كم هو متواضع وكبير.
* صممت العديد من أغلفة الكتب. ما فلسفتك في تصميم الغلاف؟
ــ أرى أن المصمم الناجح يجب أن يقرأ محتوى الكتاب قبل التصميم ليصوغ فكرته منه. صممت مثلاً غلاف كتاب «وثبة كانون الثاني» بعد أن قرأت تفاصيله كاملة، فجاء التصميم متماهياً مع روح الكتاب. كذلك حاولت الارتقاء بتصميم غلاف «الجواهري.. مسيرة قرن» ليليق بمكانته، واخترت صورة للشاعر متأملاً وأضفت بيتين من شعره ليكتمل المعنى.
* شاركت أيضاً في تصميم ملصقات لمعارض ومهرجانات كبيرة.  ما أبرزها؟
ــ من أهمها ملصق معرض بغداد الدولي للكتاب بدورتيه الأولى والثانية. كان عليّ أن أوظف خمسة محاور أساسية: العراق، دار الشؤون الثقافية، دولية المعرض، العنوان، والكتاب. دمجت الكتاب بالعلم العراقي، واستخدمت الكرة الأرضية إشارة إلى الدولية. 
ورغم ضيق الوقت والتغييرات المطلوبة من اللجنة، نجح التصميم ونال إشادة واسعة. كذلك صممت إعلانات لمهرجان بغداد عاصمة الثقافة، مهرجان بغداد الدولي للمسرح، وأمسيات وندوات أخرى. 
* ما أهمية التصميم برأيك في المجال الثقافي؟
ــ هو الوسيلة الأسرع والأوضح لتوصيل الفكرة. موضوع يحتاج خطابات طويلة يمكن اختصاره بملصق لا يتجاوز متراً مربعاً. لذلك أقول: لا ثقافة بلا تصميم   ولا تصميم بلا ثقافة.
 *وماذا   عن الصعوبات التي واجهتك؟
ــ أكبر صعوبة هي التوفيق بين رؤية المصمم ورغبات أصحاب العمل. البعض يتفهم، والبعض يفرض رأيه ويعتبر التصميم مجرد صورة وكتابة بلا فكرة. مرة صممت ملصقاً يصور بندقية شاجورها شريط سينما لمحاربة الإرهاب، لكن لم يفهمها البعض ورفضوها.
* كيف ترى مستقبل التصميم في العراق؟
ــ مستقبل التصميم مرتبط بالواقع الاقتصادي والثقافي. الفن لا يزدهر بلا استقرار اقتصادي ولا بلا جمهور يتذوق الفن.
 إذا كان الرسام يرسم لنفسه فقط، فلن يستمر. لذلك أرى أن التصميم يحتاج دعماً مجتمعياً ليزدهر.
*ما النصيحة التي تقدمها للشباب؟
ــ أن يفهموا أن التصميم فن تطبيقي، مقيد بالواقع وقوانينه. إذا كانوا يبحثون عن حرية خيال واسعة، فالفنون الجميلة مثل الموسيقى والرسم والنحت هي الأنسب. أما التصميم فيتطلب الانضباط والالتزام بالوظيفة الواقعية.
* وما طموحاتك المستقبلية؟
ــ أطمح بالمشاركة في مسابقات عربية وعالمية. للأسف غالباً المشاركة محصورة على أبناء تلك الدول. لكني مؤمن أن للمصمم العراقي أفكاراً قد تفوق كثيراً.  أما مشاريعي فهي تتجدد دائماً، فما كان جديداً بالأمس يصير قديماً اليوم، وكل تصميم كتاب أو ملصق هو مشروع جديد يولد مع الفكرة.


تابعنا على
تصميم وتطوير