رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
وقاية تبدأ من المنزل وحلول تتطلب تعاون المجتمع....كيف نحمي أطفالنا من التنمر ؟


المشاهدات 1265
تاريخ الإضافة 2025/09/29 - 9:38 PM
آخر تحديث 2025/10/02 - 5:24 PM

قبل أيام، سنحت لي الفرصة لحضور ندوة متخصصة حول ظاهرة التنمر بين الأطفال والمراهقين، كانت بحق من أهم الفعاليات التي شاركت فيها في الفترة الأخيرة. الندوة لم تكن مجرد لقاء اعتيادي، بل شكلت مساحة ثرية جمعت بين الاختصاصيين النفسيين، وخبراء التربية، ومعلمين، وأولياء أمور، وحتى بعض الطلاب الذين عرضوا تجاربهم الشخصية مع التنمر. استمعت إلى قصص واقعية كشفت حجم الألم النفسي الذي قد يتركه التنمر على الطفل، وكيف يمكن أن يمتد أثره لسنوات طويلة إذا لم تتم معالجته في الوقت المناسب.
خرجت من تلك الندوة بقناعة راسخة أن التنمر لم يعد مجرد تصرف طفولي أو مشكلة مدرسية عابرة، بل هو قضية تربوية ومجتمعية ملحة تحتاج إلى تضافر جهود الجميع، الأهل، المدرسة، الإعلام
الأسرة.. خط الدفاع الأول
يؤكد الخبراء أن دور الأهل هو الركيزة الأساسية في الوقاية من التنمر. فالطفل الذي ينشأ في بيئة أسرية آمنة، يجد فيها مساحة للتعبير عن مشاعره بحرية يصبح أكثر قدرة على مواجهة المواقف الصعبة لذلك من الضروري أن يتبنى الوالدان أسلوب الحوار المفتوح، وأن يسألوا أبناءهم بشكل يومي عن تفاصيل يومهم: من جلس معهم؟ ماذا شعروا؟ هل تعرضوا لموقف أزعجهم؟
التواصل الدائم يشعر الطفل أنه ليس وحده، وأن لديه من يحميه ويدعمه. كما أن تعزيز ثقته بنفسه منذ الصغر يساعده على رفض أي سلوك مسيء، على سبيل المثال يمكن للأهل تعليم الطفل جملاً بسيطة مثل توقف، هذا غير مقبول، أو تدريبه على تجاهل الكلمات الجارحة دون أن يظهر ضعفا أمام المتنمر.
ولا يقل عن ذلك أهمية أن يكون البيت قدوة، فإذا كان الطفل يسمع السخرية أو الإهانة داخل المنزل فمن الطبيعي أن يعتاد على هذه اللغة ويقبلها في الخارج. لذلك فإن احترام الطفل وتقديره في بيئته الأسرية يمثل حجر الأساس لبناء شخصية قوية قادرة على مواجهة التنمر.
المدرسة.. بيئة للتربية لا للتعليم فقط
المدرسة ليست مكانا لتلقين المناهج الدراسية وحسب، بل هي المجتمع الثاني للطفل حيث يقضي ساعات طويلة ويتفاعل مع أقرانه، من هنا تبرز مسؤولية المعلمين والإدارة في رصد أي سلوكيات غير سوية والتدخل الفوري لإيقاف التنمر قبل أن يتفاقم.
المدرسة الناجحة هي التي تبني بيئة قائمة على الاحترام المتبادل والتسامح وتخصص حصصا أو ورش عمل للتوعية بمخاطر التنمر. بعض المدارس الرائدة في هذا المجال تنظم أنشطة دورية تحت عنوان يوم الصداقة أو أسبوع مكافحة التنمر، حيث يتم تشجيع الطلاب على التعاون وتبادل الرسائل الإيجابية فيما بينهم
كما أن تدريب الكادر التعليمي على كيفية التعامل مع حالات التنمر أمر ضروري. فالمعلم ليس دوره تعليم الرياضيات أو اللغة فقط، بل أن يكون قدوة وموجهاً تربوياً يعرف كيف يحمي الطلاب ويعزز فيهم قيم الاحترام والعدل.
المجتمع والإعلام.. شريك لا غنى عنه
حتى لو بذل الأهل والمعلمون جهدا كبيرا، فإن مكافحة التنمر ستظل ناقصة ما لم يشارك المجتمع بكل مؤسساته. الجمعيات الأهلية يمكن أن تلعب دورا بارزا في تنظيم حملات توعوية، أو تقديم جلسات دعم نفسي للأطفال الذين تعرضوا للتنمر.
أما الإعلام، فيتحمل مسؤولية كبرى إذ يمكنه تسليط الضوء على خطورة الظاهرة من خلال البرامج، المقالات، والمسلسلات التي تطرح قصصا واقعية. إن تقديم نموذج للطفل الشجاع الذي يواجه التنمر أو عرض قصص مؤثرة لأطفال تخطوا هذه التجربة بدعم أسرهم ومدارسهم، يسهم في نشر الوعي المجتمعي ويحفز على التغيير.
التنمر الإلكتروني.. الوجه الجديد للخطر
في ظل الانتشار الواسع للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، برز نوع جديد من التنمر لا يقل خطورة عن التنمر المباشر، بل قد يكون أشد أثرا، التنمر الإلكتروني، هنا، يجد الطفل نفسه أمام شاشة يستقبل عبرها رسائل جارحة أو صورا ساخرة تتداول بشكل واسع، مما يضاعف إحساسه بالعزلة والخوف.
الحماية تبدأ من الوعي. على الأهل أن يكونوا على دراية بكيفية استخدام أبنائهم للإنترنت وأن يضعوا ضوابط واضحة لاستخدام الأجهزة الذكية كما يجب تعليم الطفل ألا يشارك معلوماته الخاصة مع الآخرين وألا يرد على الرسائل المسيئة.
من المفيد أيضا أن يتعلم الطفل مهارات السلامة الرقمية، مثل تفعيل الخصوصية، وحظر الحسابات المسيئة، والإبلاغ عن أي محتوى ضار.
خاتمة
ما خرجت به من تلك الندوة، ومن كل ما استمعت إليه من خبراء وتجارب شخصية، أن مواجهة التنمر مسؤولية جماعية لا تقتصر على الأهل أو المدرسة وحدهما. الطفل يحتاج إلى شبكة دعم متكاملة، أسرة تستمع وتحتضن، مدرسة تراقب وتوجه مجتمع يوعي ويحمي.
إن منح أطفالنا بيئة آمنة يسودها الاحترام والتسامح ليس ترفا، بل واجب إنساني وأخلاقي. فالأطفال الذين يكبرون بلا خوف، هم أنفسهم الذين سيصنعون غدا أفضل لمجتمع أكثر عدلا وتماسكا.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير