
عاشت فرنسا الأسبوع الماضي على وقع محاكمة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بتهم عدّة في قضية شبهة التمويل الليبي لحملته الرئاسية لعام 2007 ، وبعد تبرئته من أخطر التهم في هذه القضية حُكم على ساركوزي بالسجن خمس سنوات بتهمة “التآمر الجنائي” ، وتمّ إسقاط التهم الأخرى المتعلّقة بوجود التمويل ذاته والإثراء غير القانوني،
ولعلّ اللافت في هذا القرار القضائي غير المسبوق أنّ إدانة نيكولا ساركوزي كانت مصحوبة بقرار إيداع بالسجن وهو ما يجعل منه قرارا غير مسبوق في تاريخ فرنسا .
وتعد هذه التطوّرات الأولى في تاريخ الجمهورية الفرنسية التي يُحكم فيها على رئيس سابق بالسجن بعد أن كانت السابقة الوحيدة هي إدانة الرئيس السابق جاك شيراك عام 2011 في فضيحة الوظائف الوهمية لمجلس محافظة مدينة باريس، لكنه حُكِمّ عليه مع وقف التنفيذ .
والواضح أنّ قرار المحكمة بسجن ساركوزي أثار ويثير جدلًا واسعًا في فرنسا ، وواجه القرار إنتقادات واسعة خصوصا في صفوف اليمين الفرنسي ووصفته وسائل الإعلام بـ”الزلزال” الذي ستكون له تداعيات سلبية على الحياة السياسية ، ما سيؤدّي بحسب الملاحظين إلى مزيد من تدهور العلاقات بين النظام القضائي والسياسيين ، ويطرح أكثر من تساؤل حول مصداقية المنظومة القضائية لدى الرأي العام الفرنسي المحتقن والمُنقسم بشكل كبير.
وتستهدف الملاحقات القضائية عددا من الشخصيات السياسية وبخاصّة من اليمين الفرنسي وأهمّها زعيمة حزب اليمين المتطرف التي تأتي في مقدّمة إستطلاعات الرأي بالنسبة للانتخابات الرئاسية المقبلة ، وكان قبلها فشل رجل اليمين الفرنسي فرانسوا فيون من الوصول إلى منصب الرئاسة نتيجة إدانات في قضايا سابقة ، ويعد اليمين الفرنسي أنّ هذه الملاحقات القضائية لأسباب مالية ، وتقدّم على أنّها من أجل إضفاء جرعة من الأخلاق على الحياة السياسية ، توظّف أساسا لتصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين من اليمين واليسار المتطرّف على السواء .
وبقطع النظر عن مواقف اليمين الفرنسي ومواقف المتضررين من السياسين بمختلف مشاربهم جرّاء هذه القضايا عموما، فإنّ الإنطباع حوّل تعاظم تدخّل القضاء وتوظيفه في النزاعات السياسية يكبر، ما يثير مخاوف حقيقية بشأن مبدأ أساسي من مبادئ الديمقراطية الليبرالية، وهو ضرورة الفصل بين السلط واحترام إستقلالية كلّ منها.
ولأنّ الأمر لا يقتصر على فرنسا وحدها، حيث كانت هناك عدد من الدول، ومنها بالخصوص الولايات المتّحدة الأمريكية، مسرحا لمثل هذه المحاكمات، فإنّ التساؤلات أصبحت أكثر جدّية حول الأسس والمبادئ التي تكوّن المنظومة الليبرالية الغربية بما يهدّد الديمقراطية الغربية كموديل سارت على دربه الأمم والشعوب، وبما يُجيز الحديث عن تهاوي الديمقراطيات .