المؤلفون باسي سالبرغ ، تيموثي د.وولكر
المترجم سعد صبار السامرائي
دار النشر صفحة سبعة للنشر والتوزيع
سنة النشر 2025
حين يُثار الحديث عن سرّ تفوق النظام التعليمي الفنلندي، غالبًا ما يتبادر إلى الذهن مفردات مثل العدالة والمساواة والحرية الأكاديمية. لكن المؤلفَين باسي سالبرغ وتيموثي والكر يذهبان أبعد من ذلك في كتابهما «في المعلمين نثق»، حيث يضعان كلمة واحدة في قلب التجربة الفنلندية: الثقة.
الثقة ليست مجرد شعار، بل هي ثقافة ممتدة من المجتمع إلى المدرسة، ومن الإدارة إلى قاعة الصف. إنها الثقة في أن المعلم مؤهل بما يكفي ليبتكر ويقرر، وأن الطالب قادر على تحمّل مسؤولية تعلمه، وأن المدرسة كفريق تستطيع أن تدير نفسها دون حاجة إلى مراقبة صارمة أو امتحانات متكررة.. الكتاب يكشف لنا كيف تحوّلت هذه القيمة البسيطة إلى ركيزة تبني نظامًا تعليميًا عالمي المستوى، وكيف يمكن لمبادئها أن تُلهم أنظمة تعليمية أخرى تبحث عن بدائل أكثر إنسانية وفاعلية. وبين التجربة الفنلندية والتحديات العالمية، يقدّم المؤلفان سبعة مبادئ عملية يمكن أن تكون دليلًا للتغيير.
الفكرة المركزية
يفترض الكتاب أن الثقة هي جوهر النظام التعليمي المتميز، وأن بناء ثقافة من الثقة بين المدرسة والمعلمين والطلاب يُعد مفتاحًا لتطوير التعليم. على عكس النماذج التقييدية التي تركز على الرقابة، يعتمد النموذج الفنلندي على الاعتراف بالمعلمين كمحترفين وإعطائهم الحرية والتوجيه ضمن إطار عام، مما يدعم الابتكار والتعلم المستدام.
المحاور/ المبادئ الرئيسية
يقترح المؤلفان سبعة مبادئ أساسية لبناء ثقافة الثقة في المدارس، وهي:
1 — تكوين المعلمين ليكونوا مفكرين ناقدين.
ما يعنيه: إعداد المعلم بحيث يكون باحثًا ومفكرًا قادرًا على تصميم الدروس، تحليل احتياجات التلاميذ، واتخاذ قرارات مهنية مبنية على فهم تربوي عميق، لا مجرد تنفيذ حصص معدة سلفًا.
لماذا مهم: لأن جودة التعليم تعتمد على قدرة المعلم على التفكير المستقل وإيجاد حلول مناسبة لكل صف وحالة.
كيف يُطبّق في فنلندا (أمثلة): برامج إعداد المعلمين جامعية متقدمة، درجات متقدمة مطلوبة، فترات تدريب طويلة في المدارس، وحضور منتظم لتكوين مهني بعد التخرج.
مؤشرات النجاح: المعلمون يطوّرون مناهج خاصة حسب حاجات تلاميذهم، يكتبون تقارير مهنية، يشاركوا في بحوث صغيرة داخل المدرسة.
مخاطر وكيفية تجنّبها: ترك المعلمين دون دعم أو تنسيق قد يؤدي إلى تشتت جودة التعليم؛ الحلّ توفير شبكة دعم تربوي وإشراف محترف ومجالس مهنية داخل المدارس.
2 — توجيه الجيل الجديد من المعلمين (المرشدة المهنية)
ما يعنيه: وجود معلمين مخضرمين يعملون كموجهين للمعلمين الجدد، يرافقونهم في السنوات الأولى، يقدمون تغذية راجعة عملية، ويشاركون خبراتهم.
لماذا مهم: يساعد المعلمين الجدد على الانتقال من النظرية إلى الممارسة بثقة، ويمنع إحباطهم المبكر.
كيف يُطبّق في فنلندا: الاقتران بين معلم مبتدئ ومرشد داخل المدرسة لفترة محددة، لقاءات تقييم شهرية، برامج تبادل خبرات بين المدارس.
مؤشرات النجاح: انخفاض معدل استقالة المعلمين الجدد، تقدّم مهني أسرع، نتائج أفضل للمتعلمين في صفوف المعلم الجديد.
مخاطر وكيفية تجنّبها: غياب حوافز للمرشدين أو ضغط عمل كبير على المرشد يؤدي لفشل المبادرة؛ يجب تخصيص وقت رسمي ومكافآت معنوية ومهنية للمرشدين.
3 — الحرية ضمن إطار منظّم
ما يعنيه: منح المعلم استقلالية في اختيار أساليب التدريس والمادة داخل إطار وطني أو مدرسي واضح يضمن معايير الجودة والعدالة.
لماذا مهم: يتيح الابتكار ويحترم احتراف المعلمين مع الحفاظ على مقاييس عامة لاختلاف المدارس.
كيف يُطبّق في فنلندا: منهج وطني مرن، مع خطوط عريضة فقط؛ التفاصيل تُترك للمدرسة والمعلم. وجود إرشادات ومراجع مركزية لكن دون فرض نص حرفي.
مؤشرات النجاح: تباين إيجابي في أساليب التدريس مع ثبات في مستويات التعلم العامة.
مخاطر وكيفية تجنّبها: الإفراط في الحرية يؤدي إلى تفاوت كبير في الجودة؛ الحل وجود إطار تقويمي داعم (مثل زيارات مهنية وتبادل ممارسات) وليس عقابيا.
4 — تنمية المتعلمين المسؤولين
ما يعنيه: تعليم التلاميذ مهارات الاستقلالية، التفكير النقدي، والمشاركة في قرارات التعلم الخاصة بهم (اختيارات، مشاريع، تقويم ذاتي).
لماذا مهم: ينتج متعلّمًا نشطًا يتحمل مسؤولية تعلّمه ويصبح أكثر استعدادًا للحياة والعمل.
كيف يُطبّق في فنلندا: مشاريع صفية، تقويم ذاتي، بنًى صفية تشجع النقاش، وإشراك التلاميذ في وضع قواعد الفصل.
مؤشرات النجاح: زيادة مشاركة التلاميذ، تحسين السلوك الذاتي، نتائج تعلمية مستقرة أو متقدمة.
مخاطر وكيفية تجنّبها: إسناد مسؤوليات مبكرة جدًا قد يثقل التلميذ؛ الحل تدريج المسؤوليات حسب العمر وتوفير دعم إرشادي.
5 — العمل الجماعي بين المعلمين (اللعب كفريق)
ما يعنيه: ثقافة مهنية تتضمن التعاون اليومي، تخطيط مشترك، ملاحظة دروس زملاء، ومجموعات مهنية داخل المدارس.
لماذا مهم: يقلّل العزلة المهنية، يسمح بتبادل الأفكار، ويزيد اتساق التعليم عبر المراحل.
كيف يُطبّق في فنلندا: جداول تسمح للمعلمين بالالتقاء أسبوعيًا، فرق مهنية متعدّدة التخصصات، وحلقات عمل داخل المدرسة.
مؤشرات النجاح: خطط دراسية موحّدة، مشاركة موارد، تقليص الفجوات بين الصفوف.
مخاطر وكيفية تجنّبها: التعاون الشكلاني دون عمق؛ مطلوب وقت مخصّص للعمل الحقيقي وآليات متابعة للنتائج.
6 — مشاركة القيادة (تشارك السلطة الإدارية)
ما يعنيه: توسيع دور المعلمين في صنع القرار المدرسي (المناهج المحلية، توزيع الموارد، سياسات الرفاهية)، وتقاسم الأدوار القيادية بدل تركيزها لدى مدير واحد فقط.
لماذا مهم: يعزّز الشعور بالملكية المهنية ويزيد الالتزام بالتغيرات.
كيف يُطبّق في فنلندا: مجالس مدرسية تضم معلمين، اجتماعات استراتيجية بمشاركة الطاقم، لجان صغيرة لملفّات محددة (تقييم، شمول، أنشطة).
مؤشرات النجاح: قرارات مدعومة من الطاقم، تنفيذ أكثر سلاسة لخطط التطوير.
مخاطر وكيفية تجنّبها: التباطؤ في اتخاذ القرار لو لم تُحدد صلاحيات واضحة؛ الحل تحديد أدوار ووقت لعمليات المشاركة.
7 — الثقة في العملية (الصبر والمراجعة المستمرة)
ما يعنيه: إدراك أن بناء نظام موثوق يتطلب زمنًا، مراجعة مستمرة، تجربة أخطاء وتصحيحها، وصبر من المجتمع والجهات المانحة.
لماذا مهم: لأن التغيير السريع القسري يؤدي إلى مقاومة وفشل؛ العملية تستدعي تراكمًا تدريجيًا للثقة.
كيف يُطبّق في فنلندا: سياسات طويلة الأمد، تجارب محلية، استثمارات مستمرة في تطوير المعلم.
مؤشرات النجاح: انخراط المجتمع، استمرارية البرامج، واستجابة الأداء على المدى المتوسط.
مخاطر وكيفية تجنّبها: توقع نتائج فورية يؤدي للإحباط؛ يجب ان تكون هناك قياسات زمنية واضحة ومؤشرات مرحلية.
الجزء الأول: السياق الفنلندي والخلفية الثقافية.. هذا الجزء يعرض لماذا تعد الثقة «قيمة مجتمعية» في فنلندا وكيف نشأت.
عناصره الأساسية:
تاريخ السياسات التعليمية والرفاهية (خدمات صحية وتعليمية متكاملة تدعم المدرسة).
مكانة المعلم في المجتمع (احترام اجتماعي، مطلب دراسي عالٍ، مهنة مهيكلة أكاديميًا).
دور المساواة والعدالة الاجتماعية في تقليل الفروقات التي تعوق التعلم.. كيف تؤثر بنية الدولة والرعاية الاجتماعية على المدرسة وتسمح بسياسات طويلة الأمد.
يوفر هذا الجزء للقارئ فهمًا للأرض الاجتماعية والسياسية التي جعلت نموذج الثقة ممكنًا، والتمييز بين مبادئ عامة وسياسات خاصة بالسياق الفنلندي.
الجزء الثاني: التطبيق العملي للمبادئ ودراسات حالة
هذا الجزء هو دليل تطبيقي: يفسّر كل مبدأ بالتفصيل، ويقدّم:
دراسات حالة من مدارس فعلية في فنلندا (وصف كيف نظّموا أوقات التدريس، فترات الراحة، تشكيل فرق المعلمين، برامج التوجيه).
أدوات قابلة للتبنّي: نماذج لجداول زمنية، استمارات للتوجيه، أسئلة نقاش للطاقم، آليات لمتابعة نتائج التغيير.. حوارات مع معلمين ومديرين تتضمن صعوبات حقيقية وكيف تغلبوا عليها.
إرشادات للمدن أو المدارس الراغبة بالتجربة (خطوات تجريبية، مؤشرات مراقبة، وكيفية التواصل مع المجتمع المحلي).
الاستقبال النقدي
من جهة إيجابية، المراجعة في مدونة LSE ترى أن الكتاب يُقدّم مساهمة ملائمة وسهلة الوصول في حقل التعليم، ويُسلّط الضوء على الثقة كمفتاح للتطوير.
من جهة نقدية، بعض المراجعات تشير إلى أن الكتاب قد يواجه صعوبة في التطبيق في سياقات تعليمية ذات أنظمة رقابية أو ثقافات لا تمنح المعلمين مكانة احترافية كافية.