رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
(نيو) في عالم الماتريكس من نافذة المكتب الى حافة السماء


المشاهدات 1058
تاريخ الإضافة 2025/09/16 - 9:36 PM
آخر تحديث 2025/09/17 - 1:53 AM

يظهر نيو كما لو أنه فراغ مقصود بداخله مساحة لينمو المعنى. يبدأ اسمه توماس أندرسون موظفًا عاديًا في نهار باهت وهاكرًا في ليل أخضر يعكس شاشات القديمة ثم يسير خطوة خطوة نحو اسم جديد لا يعرّفه العمل بل يختبره. أداء (كيانو ريفز) يقوم على اقتصاد الحركة والكلمة. نظرات ثابتة قليلًا أطول من المعتاد وصوت منخفض يقيس المسافة بين السؤال والإيمان وجسد يتعلم قواعد المكان الجديد حتى تصبح القفزة الأولى نتيجة طبيعية لا معجزة مفاجئة. بهذه البساطة يبني الدور قوس تحول واضح من رجل يشك إلى رجل يختار.
تقدّمه الشقيقتان المخرجتان (لانا واتشاوسكي) و(ليلي واتشاوسكي) في سرد يتعامل مع الفكرة بوصفها جسدًا. التدريب ليس مونتاجًا سريعًا فقط بل مفاوضة بين العقل والعضلة. كل حركة تعلّم نيو اللغة السرية للعالم الرقمي حتى تصبح اللقطة الشهيرة التي تنحني فيها الرصاصة أمام وجهه خلاصة لدرس طويل عن الانتباه والسيطرة. المعطف الطويل والنظارات الداكنة ليست زينة بل إشارة إلى لعبة الهوية الجديدة التي تُبنى على محو وجه قديم وكتابة وجه يليق بقرار أكبر.
لا يعمل الدور في عزلة. ترينيتي كما تؤديها (كاري-آن موس) هي الشرارة الأولى والمرآة التي يرى فيها نيو احتمالًا لأن يكون أكثر مما يظن. حضورها ليس عاطفة مساندة بل يد تمسك بيده وتقوده إلى الباب ثم تتركه يعبر وحده. مورفيوس كما يجسده (لورنس فيشبورن) معلم لا يشرح أكثر مما يلزم. يضع أمام نيو سؤالًا بسيطًا ويمنحه ثقة تكفيه ليقفز. ومع كل لقاء بين الثلاثة تتشكل خريطة أخلاقية تُبنى على الاختيار لا على النبوءة العمياء. لهذا يبدو لقب المختار نتيجة قرار متكرر أكثر مما يبدو هبة سقطت من السماء.
على الجانب المقابل يقف العميل سميث كما يؤديه (هيوغو ويفينغ) مثالًا لخصم لا يصرخ. اللغة عنده سلاح والابتسامة الباردة جزء من آلية النظام. وجوده ضروري لفهم الدور لأن نيو لا يكتمل إلا بضده. كل مواجهة بينهما ليست عرض قوة بل درس في معنى الحرية حين تواجه آلة تؤمن بالتكرار الأبدي. عندما يرفض نيو قواعد الخوف لا يهزم خصمه فحسب بل يغيّر لغته. يتكلم العالم حوله بطريقة أخرى لأن الشخص الذي كان يهرب من النافذة في المكتب صار قادرًا على إيقاف الرصاصة في منتصف الهواء.صناعة الدور تتكئ على صورة وصوت يعرفان متى يصمتان. اللون الأخضر الخفيف يشي بأن الواقع مصفّى بمصفاة رقمية واللقطات الواسعة تمنح الجسد مسافة كي يشرح بنفسه. في المشاهد الأولى يبدو نيو ثقيل الحركة لأن الكادر يساوي بينه وبين العالم الذي يقيده. مع تقدم الحكاية تنعكس النسبة وتتحول الكاميرا إلى شريك يتبع الإيقاع الذي يفرضه البطل الجديد. الموسيقى تدخل كنبض إلكتروني يذكّر بأن المعركة تُخاض على أرض مشفّرة لا في شوارع المدينة فقط.


تابعنا على
تصميم وتطوير