رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
Demon Slayer: Infinity Castle ...ما الذي يجعل فيلماً من الأنمي حدثاً سينمائياً ؟


المشاهدات 1060
تاريخ الإضافة 2025/09/16 - 9:36 PM
آخر تحديث 2025/09/17 - 1:53 AM

سؤالٌ يجيب عنه Infinity Castle بدرس بصري ووجداني معًا، عندما يُعامل الخيال بوصفه لغة للسينما لا بديلاً عنها.  فالمشاهدة لا تقوم على صخب الألوان والمعارك وحدها، بل على حسّ تركيبي يجعل الصورة والصوت يكتبان المعنى معًا، لقطة عريضة تُشيّد التوتّر مثل جدار يتقدّم نحونا ببطء، وأخرى قريبة تختطف رعشة يد أو نَفَسًا متقطّعًا قبل الاندفاع. هكذا تُدار العلاقة بين الفرجة والدراما، فلا تبدو الانفجارات البصرية استعراضًا منعزلًا، بل نتيجةً لقرار داخلي نسمعه قبل أن نراه.
ينطلق الفيلم من لحظة تهديد شامل يقودها موزان كيبوتسوجي، سيدّ الشياطين. في اندفاعة واحدة تنقلب الأرض تحت أقدام تانجيرو والهاشيرا إلى بُعد متحوّل هو (القلعة اللانهائية). هناك تتشظّى الفرقة إلى مسارات متوازية، وتتحوّل كل مواجهة إلى امتحان أخلاقي بقدر ما هي صدام جسدي. لا يعتمد العمل على الشروحات، يضع المتفرّج مباشرة في قلب الرهان، ويعرّف بالشخصيات من خلال فعلها واختياراتها. المتابع القديم سيقرأ طبقات إضافية بالطبع، لكن القادم الجديد لن يفوّت خطوط الرغبة والخوف والحب والخسارة مرسومة بخط واضح بما يكفي لمن يدخل العالم لأول مرة. المكان هنا شخصية كاملة. المتاهة لا تُستخدم كزينة للفكرة، بل كآلية توليد معنى: سلالم تتدلّى في اللااتجاه، غرف تغيّر قوانين الجاذبية، وممرّات تُبنى وتُهدَم مع كل خطوة. مع تبدّل الفضاء تتبدّل أخلاق القتال، أين تضع جسدك؟ من تساند أولًا؟ متى تتراجع لتُنقذ رابطة إنسانية أثمن من نقطة تقدّم؟ هذه الأسئلة تُكتب بالحركة لا بالحوار. وتدعمها هندسة بصرية تراكم مستويات من العمق، بحيث تحمل اللقطة الواحدة أكثر من طبقة قراءة: مقدّمة حادّة، خلفية ذات ملمس ضوئي حيّ، ومسارات فعل تتقاطع دون فوضى.قيمة الفيلم الكبرى في إدارة الإيقاع. لا يقع في فخ الصراخ البصري المستمر، بل يعرف متى يصمت، وكيف يترك للّقطة العريضة أن تؤسس الخطر وحدها، ومتى يقترب ليلتقط ما يكفي من الهشاشة ليصبح الضرب موجعًا حقًا. تصميم الصوت بسيط ودقيق، صمتٌ قصير قبل الضربة يضاعف أثرها، والموسيقى تمزج بين نفَسٍ ملحمي ووتر حميمي كي تبقى المشاعر صادقة بلا مبالغة. بهذه العناصر كلها يتحوّل الإيقاع إلى نبضٍ محسوس داخل القاعة، لا عدّاد مشاهد حركة.
على مستوى الشخصيات، يظلّ الفيلم وفيًّا لفلسفة السلسلة، البطولة ليست استعراضًا فرديًا، بل شبكةٌ من روابط. يُستعاد سؤال “العائلة” بصفته ذاكرةً تُؤلم وتُلهِم معًا، وتُستعاد كذلك فكرة الندبة بوصفها شهادة حياة لا عيبًا في الجسد، تمنح المواجهات وزنًا إنسانيًا يوازي دقّة التحريك وسرعته. حتى الخصوم، على فظاعتهم، يُرسَمون بظلال حكايات تجعل الغلبة معنىً لا أرقامَ ضربات.
يراهن الفيلم على سباقٍ مع الزمن للوصول إلى موزان قبل أن تبتلع المتاهة أصحابها. لكنه لا يطارد نهاية صاخبة بقدر ما يبحث عن ختام صادق، اعتراف بالخسارات الصغيرة، وتحميل كريم لكلفة الانتصار. يمنح هذا الفصل اكتماله العاطفي، حتى وهو يترك الباب مواربًا لفصل تالٍ؛ كأن الحكاية تقول إن ما يبقى بعد انطفاء الأضواء ليس عدد المفاجآت، بل صِدق ما يعلق في القلب.
بهذه الروح، يثبت Infinity Castle أن الأنمي، حين يُصنع بإحساس سينمائي، قادر على منافسة أضخم الإنتاجات الحيّة على شروط الفن ذاته، صورة تُروى لا تُعرَض فحسب، وصوت يوجّه الشعور بدل أن يطغى عليه، وإيقاع لا يساوم على الإنسان خلف السيف. هذه ليست حلقة أنمي طويلة، بل فيلمٌ مكتمل يضع سلسلة Demon Slayer في مكانها الطبيعي، وسط قاعة سينما تتذكّر أن السرد العظيم يبدأ من سؤال بسيط لماذا نقاتل؟ ثم يترك لنا أن نكمل الإجابة.


تابعنا على
تصميم وتطوير