رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
سأذهب إلى الحرب وحدي


المشاهدات 1315
تاريخ الإضافة 2025/09/14 - 9:10 PM
آخر تحديث 2025/09/17 - 1:53 AM

قراءة نقدية/  سمير السعد 
من الجنوب العراقي، من حيث يفيض النخل على الدجلة، ويولد الشعر من قسوة الطين ونعومة الماء، يطلّ علينا صوت عبد الخالق كيطان محمّلاً بالتمرّد على السكون، ومحمّصاً بوهج التجربة الروحية والإنسانية معاً. شاعر جنوبي يعرف أن جذوره ضاربة في أرض نخلةٍ لا تنكسر، وأن ماءه يجري من نهرٍ لا يعرف الانطفاء.
قصيدته “سأذهب إلى الحرب وحدي” ليست مجرّد نص شعري، بل هي سيرة داخلية لروح تبحث عن خلاصها في مواجهة الذات والعالم، عن انتفاضة تنقذها من رتابة الصلوات، وتحررها من خرافة موروثة لم تجلب سوى الشحوب.

القصيدة تبدأ باعتراف:
“كنت أتشاغل عن الحرب بالصلاة
والإكثار من الأدعية
تلك خطتي التي ورثتها عن والدي”
هنا يضعنا الشاعر أمام إرثٍ أبويّ يقوم على الخضوع والسكوت، على الاكتفاء بالدعاء اتقاءً للشرور. لكن النص سرعان ما ينقلب إلى انتفاضة على هذا النهج، إذ يعلن الشاعر رفضه للسكوت الموروث، ورغبته في خوض حربه الخاصة بحثاً عن حياة “تزهر بعدها الحياة”.
الحرب في النص ليست معركة عسكرية بقدر ما هي مواجهة وجودية مع التكرار والملل والخرافة. يقول الشاعر:
« أريد أن أعيش دفعة واحدة
أو أموت دفعة واحدة”
بهذا التكثيف يعلن رفضه للحياة المستنزفة بالتجزئة، ويطرح رؤية أكثر عنفواناً _ إما الامتلاء أو الفناء. وهنا تلتقي القصيدة مع تجارب شعراء الجنوب العراقي الذين طالما جعلوا من الحرب والحياة ثنائية متوترة تحرك النص وتفتح أفقه الفلسفي.
يتعمق النص أكثر في تصوير عزلة الشاعر، إذ يواجه اتهامات المجتمع بالكفر:
“مللت من حشود المواطنين يتهمونني بالكفر
فيما أنا المؤمن الوحيد”
هذا البوح يكشف عن صراع الهوية _ الفرد الذي يرى في سجوده تجربة حب خالصة، في مقابل الجماعة التي تحاكمه بمعايير جاهزة. إنه صراع قديم/جديد يعيد للأذهان صورة الشاعر بوصفه “المختلف” الذي يدفع ثمن فرادته.
في مقطع آخر، يرسم كيطان صورة شديدة الإنسانية:
«هكذا عليّ أن أحارب راجلاً
مثل جنود المشاة المساكين
أبناء العوائل الفقيرة”
إنها حرب بلا خيول ولا جيوش فارهة، بل حرب المهمشين، الذين لا يملكون سوى أجسادهم وإصرارهم. وهنا يتجلى البعد الاجتماعي للنص، حيث يربط الشاعر معركته الفردية بمعركة الفقراء وأحلامهم الصغيرة.
يصل النص ذروته حين يقرر الشاعر أن يكون حتى مع الموتى عنيفاً:
« فقد قررت أن أكون جباراً
عنيفاً
ومجرماً حتى مع الأموات”
هذه الصرخة لا تعكس نزعة دموية بقدر ما تجسّد رغبة في القطع النهائي مع الاستكانة. فالعنف هنا رمزي، يحيل إلى خيار الرفض المطلق، حتى لو بدا قاسياً. اخيرا .. قصيدة “سأذهب إلى الحرب وحدي” لعبد الخالق كيطان هي بيان شعري – وجودي، يزاوج بين التمرد الروحي والرفض الاجتماعي، بين الإيمان الشخصي والانتفاض على الموروث. إنها قصيدة تُقرأ بوصفها شهادة جنوبية على بحث الإنسان عن حياة تستحق أن تُعاش، ولو اقتضى الأمر أن يخوض معركته وحيداً.


تابعنا على
تصميم وتطوير