قبل سنوات قليلة مضت، انتفضت التنظيمات الرياضية العالمية في مواجهة ما عدّته غزواً روسياً عسكرياً لأوكرانيا. وفي أيام، اتخذت رزمة ثقيلة من العقوبات الزجرية والردعية ضد المنتخبات والأندية الروسية، وصلت حد منع المشاركة في المحافل الرياضية القارية والعالمية، إذ سارع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم إلى إعلان استبعاد المنتخب الروسي من المشاركة في البطولة الأوروبية لكرة القدم، وحظر مشاركة الأندية الكروية الروسية في بطولة الأندية الأوربية، كما سارعت اللجنة الأولمبية العالمية إلى اتخاذ تدابير عقابية مماثلة ضد روسيا.مهما يكن من أمر، فإن هناك من دفع بشرعية القرارات التأديبية التي سارعت التنظيمات الرياضية العالمية إلى اتخاذها ضد روسيا على خلفية ما عدّته غزوا روسيا عسكريا ضد أوكرانيا، باعتبار أن قوانين هذه التنظيمات تناهض مظاهر العنف المسلح واستهداف المدنيين، وهذا تبرير يمكن أن يكون مقبولا لدى جزء من الرأي العام الدولي على الأقل .لكن هذه الانتفاضة القوية التي أبدتها التنظيمات الرياضية العالمية في تفاعلها مع الحرب الروسية الاوكرانية، وهذه السياسة الصارمة والحازمة التي تعاملت بها مع روسيا، تتعرض حاليا لاختبار مصداقية حقيقي، لأن هذه التنظيمات الرياضية القارية والعالمية تقاعست وتحاشت التعامل بنفس المعايير مع ما يحدث في فلسطين، إذ تتصاعد الدعوات الدولية لهذه التنظيمات لاتخاذ موقف واضح وصارم من الانتهاكات الخطيرة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، لا سيما في غزة الصامدة، والتي وصلت حد حرب إبادة وتطهير عرقي تكاد تكون غير مسبوقة في التاريخ البشري الحديث، ورغم أن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم قدم شكوى رسمية للاتحاد الدولي لكرة القدم في هذا الصدد معززة بما يكفي من الحجج والأدلة، فإن الاتحاد لم يحرك ساكنا، ورد رئيسه بالقول إن اللجنة التنفيذية (للفيفا) أحالت الشكوى على لجنة الأخلاقيات التابعة لها لدراستها، وبعد حوالي سنتين من استمرار المجازر، لا تزال الشكوى ترقد في دواليب هذه اللجنة دون أي تفعيل.وفي مقابل كل ذلك لا تزال الأندية الرياضية التابعة للاحتلال الإسرائيلي تواصل مشاركتها الفعلية في التظاهرات الرياضية العالمية، وهكذا في نفس الوقت التي كانت فيه آلة الدمار والتقتيل الإسرائيلي تقترف جرائم الإبادة والتطهير، كان منتخب كرة القدم التابع للاحتلال يجري المباراة الإقصائية الخاصة بنهائيات كأس العالم لكرة القدم لسنة 2026 بالديار الإيطالية .وهكذا يبدو أن الممارسة الرياضية في المحافل الدولية استخدمت في حالة الحرب الروسية الأوكرانية أداة لتسليط الضوء على الظلم والتغول، كما بدا في حينه، بينما تحولت نفس الممارسة إلى أداة طيعة لتبييض صورة ظلم أكثر فظاعة وهول. كما استعملت في الحالة الأولى للادعاء بالوقوف إلى جانب العدالة والإنصاف وزجر الظالمين، لكنها تحولت حينما تعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي إلى غطاء للتغطية على الاستبداد والقتل والدمار.إنها خلطة السياسة والرياضة، إذ تتغير المعايير حسب ما تفرضه مصالح الظالمين والمتجبرين الكبار، وتتعدد المكاييل حسب الحالات والجهات المعنية، وتعدم القيم والمبادئ خدمة لمصالح جهات تتحكم في كل كبيرة وصغيرة في نظام عالمي ظالم .