حين تتحدث عن ذاكرة التلفزيون العراقي، وعن أجيال تربّت على صورة وصوت ودراما وبرامج شكلت وعيها الثقافي والإنساني، لا بد أن يمرّ اسم الدكتور علي حنون بوصفه واحداً من المخرجين والمبدعين الذين رافقوا الشاشة الصغيرة منذ بداياتها حتى يومنا هذا. هو أكاديمي ومخرج وكاتب، جمع بين الممارسة المهنية والعمل الأكاديمي، فكان صلة وصل بين الأجيال، وواحداً من الذين أسسوا لثقافة الصورة والدراما والبرنامج التلفزيوني في العراق.
يحدثنا الدكتور علي حنون عن رحلته التي بدأت من جنوب العراق، حيث كان الطفل الصغير يتأمل بذهول ذلك الصندوق الخشبي الساحر الذي يسمى «التلفزيون»، ليجد نفسه بعد سنوات واحداً من صانعيه البارزين. يقول: «نحن أبناء جيل التلفزيون، هذا ما أحب أن أصف به نفسي. منذ طفولتي كان التلفزيون بالنسبة لي بوابة سحرية إلى عالم لا حدود له. كنا نسكن في محافظة ميسان الجنوبية، ولم يكن بث تلفزيون بغداد يصل إلينا بشكل منتظم، فكنا نلتقط غالباً بث تلفزيون الكويت. ذلك الصندوق الخشبي ذو الشاشة الفضية كان يسرق خيالي، ويجعلني أحلم أن أكون جزءاً من هذا العالم».
منذ الصغر بدأ حنون يقلّد ما يراه على الشاشة. كان هو وأصدقاؤه يمثلون مشاهد من المسرحيات والأفلام التي يشاهدونها، حتى إنه كان يقلد مقدمي الأخبار أحياناً. هذه كانت البذرة الأولى التي زرعت في داخله حب الفن والتمثيل. شارك في الفعاليات الكشفية والمسرحيات المدرسية، وكان والده، الضابط المتقاعد، يشجعه على هذا الطريق، حتى إنه كان يصنع له بعض الأدوات الخشبية لتمثيل الشخصيات التي يجسدها.
ومع الانتقال إلى مرحلة الدراسة الإعدادية، كبر معه هذا الشغف، وبدأ يكتب ويخرج مسرحيات مدرسية حتى تم قبوله في أكاديمية الفنون الجميلة – قسم المسرح. هناك بدأ الحلم يتحول إلى واقع، إذ درس فنون التمثيل والإخراج واطلع على علوم الكاميرا والسيناريو والإنتاج. وبعد سنتين من الدراسة، اختار تخصص الإذاعة والتلفزيون، ليجد نفسه في المكان الذي طالما حلم به.
يقول الدكتور علي: في فترة دراستي للبكالوريوس، أتيحت لي فرصة إنتاج برنامج تلفزيوني بتمويل من وزارة الشباب، كتبته بنفسي وشارك في تقديمه الشاعر سعد جاسم والإعلامية نور الهدى. كانت تلك أولى خطواتي العملية في عالم التلفزيون .
بعد تخرجه وخلال فترة خدمته العسكرية، تم نقله إلى وحدة السينما والتصوير العسكري، فكانت هذه فرصة جديدة لصقل موهبته العملية، إذ شارك في تصوير الجبهات وإنتاج أفلام توثيقية عن الحرب. وبعد إكمال دراسته للماجستير، التحق بدائرة الإذاعة والتلفزيون، حيث بدأت المرحلة الأكثر أهمية في حياته المهنية.
ويستمر د. علي في حديثه فيقول: ذهبت ذات يوم مع المخرج الراحل فضل المداوي إلى التلفزيون، وهناك التقيت الأستاذ الراحل فيصل الياسري الذي سألني عن تحصيلي العلمي. وما إن علم أنني خريج إذاعة وتلفزيون حتى طلب مني الالتحاق بالعمل فوراً. بدأت بالعمل على نظام القطعة، ثم تم تعييني رسمياً، ومن هناك انطلقت في كتابة وإخراج العديد من البرامج.
دكتور علي حنون كتب وأخرج مجموعة واسعة من الأعمال التي تركت بصمة واضحة في ذاكرة الجمهور. من أبرزها برنامج «الموعد»، و»سهرة الخميس»، و»نعيش معاً». كما أخرج مسلسلات مثل «ظرفاء ولكن» الذي كتبه الراحل علي زين العابدين. وبعد ذلك عمل مع شركات إنتاج أهلية مثل شركة البحر، حيث أخرج مسلسلات بدوية من بينها «شمعة نوار» و»المجنون»، وكان مساعد مخرج في المسلسل الشهير «قيس وليلى» إلى جانب المخرج الراحل علي الأنصاري.
بعد عام 2003، ومع حلّ وزارة الإعلام، وجد الدكتور علي نفسه كبقية المبدعين أمام واقع جديد، فانتقل للعمل مع قنوات فضائية وشركات إنتاج خاصة. عمل مع المخرج والإعلامي زياد طارق في إنتاج أعمال تسجيلية مهمة، منها فيلم عن الحوزة العلمية بعنوان «حضارة وادي الرافدين» الذي وثق تاريخ الحوزة وبنيتها التعليمية، وكذلك فيلم «أعياد تكيدو» الذي أنتج لقناة الجزيرة عن أعياد رأس السنة البابلية. كما كتب وأخرج حلقات لبرنامج «عالمها» لقناة الآيات.
لكن محطة الدكتور علي الأهم كانت مع قناة الشرقية، حيث ساهم في تأسيس برامج «تلفزيون الحقيقة»، وكان أول من كتب وأخرج هذا النوع من البرامج التي تتناول قضايا إنسانية مباشرة. يقول: في هذه البرامج لم نكن نكتب نصوصاً مسبقة، بل كنا نذهب إلى المكان ونستمع إلى حكايات الناس ونرصد التفاصيل التي تصنع القصة. من أبرز هذه البرامج (كريستوما) الذي أعاد إعمار بيوت دمرتها الحروب، و(فطوركم علينا) الذي كنا ندخل فيه إلى بيوت العائلات ونعد لهم الإفطار ونشاركهم يوماً كاملاً.»
إلى جانب ذلك، كتب ما يقارب 560 حلقة من البرنامج الساخر «كاريكاتير» الذي استمر لسنوات طويلة وترك إرثاً كبيراً في مكتبة قناة الشرقية. كما أخرج أفلاماً وثائقية مهمة مثل «العزف على إيقاع البطولة» و»العزف على إيقاع الحياة» الذي رصد يوماً كاملاً من حياة مدينة الحلة، وفاز بجائزة الدولة التقديرية وشارك في مهرجانات محلية ودولية.
وعن تجربته السينمائية يقول: قدمت فيلم (الزهرة الأرجوانية) الذي تناول ثنائية اللذة والألم، وهو عمل فلسفي حاولت أن أجسد فيه صراع الإنسان الداخلي. الفيلم من بطولة الدكتور هيثم عبد الرزاق وأحلام عرب، وكان له أثر كبير في نفسي.
اليوم يواصل الدكتور علي حنون عطاءه الأكاديمي في جامعة دجلة حيث يدرّس مواد الإخراج والسيناريو والتقنيات الإذاعية والتلفزيونية، ويشرف على مشاريع تخرج طلبة المرحلة النهائية. شارك مع طلبته في مهرجان الفيلم الجامعي وحصل على جائزة خاصة عن فيلم «توقيع». كما يرأس حالياً لجنة أفلام الأنيميشن في مهرجان بغداد الدولي في دورته الثانية.
وللدكتور علي إسهامات بحثية مهمة، حيث نشر مقالات ودراسات سينمائية محكمة في مجلات عربية وعراقية، كان آخرها كتابه «أفلام الأنيميشن على مشارف حقبة جديدة»، الذي يناقش تطور فنون التحريك ودلالاتها الثقافية.
في نهاية الحوار، يختصر الدكتور علي مسيرته قائلاً: التلفزيون لم يكن بالنسبة لي مهنة فقط، بل كان حياة كاملة. عشت معه طفولتي، وشبابي، وما زلت أعيش شغف صناعة الصورة والكلمة حتى اليوم.
هكذا، يظل الدكتور علي حنون واحداً من الأصوات المخلصة التي ساهمت في بناء ذاكرة التلفزيون العراقي، وواحداً من الذين حملوا مسؤولية أن تبقى الشاشة العراقية قادرة على أن تروي حكايات الناس وتوثق أحلامهم، لتبقى الصورة حاضرة في الذاكرة مهما تغيرت الأزمنة.