رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الأزمة في فرنسا والمخاض العسير


المشاهدات 1740
تاريخ الإضافة 2025/09/08 - 9:50 PM
آخر تحديث 2025/09/16 - 6:21 AM

  بدا جليّا أنّ الأزمة السياسية في فرنسا تترجم حالة العجز التامّ الذي وصلته مؤسّسات الحُكْمٍ في هذا البلد الذي مثّل على مدى الأحقاب المثال الأبرز في الممارسة الديمقراطية الليبرالية الغربية ، لجهة أنّه البلد صاحب أوّل وأكبر ثورة بورجوازية ، كانت مثالا يُقتدى ، وهو بلدٍ فلاسفة الأنوار، من أمثال  فولتير ، وروسو ، ومونتسكيو ، وديدرو ، ولوك ، وكانط ، وهيوم ، وهو البلد الذي أرسى دعائم التنظيم الديمقراطي والسياسي الليبرالي الغربي القائم على مبدأ التداول السلمي على السلطة ، والذي تلعب فيه الوسائط المجتمعية دورا أساسيا في تأطير الظاهرة السياسية وفي توجيه المواطن على قاعدة الإلتزام التامّ بجملة الحقوق والحريات الفردية والجماعية .
  وما انفكّت الأزمات السياسية المتكرّرة تتفاقم لتعلن أنّ مؤسّسات حُكْمِ الجمهورية الخامسة الفرنسية التي تأسّست على يد شال ديغول ، لم تعد تستوعب الواقع الفرنسي الجديد ، الذي تغيّرت تركيبته الديمغرافية في العمق واختلفت توجهاته السياسية ، وتكرّرت أزماته الإقتصادية ، وتجلّى فيه فشل السياسات المتعاقبة من اليمين واليسار في التصدّي لها وفي إيجاد الحلول المناسبة لتجاوزها .
 ومثّل وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السلطة منذ بداية ولايته الرئاسية الأولى في 1917 ، لبنة أخرى في مزيد تأزيم أوضاع مؤسّسات الجمهورية الخامسة من خلال  مساعيه المتكرّرة لتهميش الوسائط المجتمعية ، كالنقابات ، وتفكيك أحزاب الحُكْمِ التقليدية والتاريخية في فرنسا ، والتي تداولت على السلطة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو ما فسح المجال واسعا لعملية “ ثأر” المنظومة الحزبية من خلال ترسيخ وجود أقوى الأحزاب تطرّفا في اليمين واليسار ، وهي أحزاب تطالب أساسا بتغيير قواعد العمل الجاري بها في الجمهورية الفرنسية الخامسة .
 وجاء حلّ البرلمان في العام الماضي ليزيد الطين بلّة، حيث أفرز برلمانا هجينا ، من المستحيل معه التوصّل إلى أغلبية برلمانية تساعد على الحُكْمِ، ما أدخل فرنسا في دوّامة أزمة هيكلية ، مظهرها الأساسي، فشل كلّ الحكومات توفير الآليات الضرورية لممارسة السلطة ومن ذلك التوافق على موازنة الدولة .
 وإنّ تغيير رئيس الحكومة الحالية فرانسوا بايرو الذي خضعت حكومة لاختبار ثقة أمس في البرلمان ، قد لا يحلّ الإشكال ، لتبقى المطالبة بحلّ البرلمان والذهاب مجدّدا لإنتخابات تشريعية مبكرة أحد السيناريوهات المحتملة ، رغم أنّ حالة الرفض العامّة لسياسات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طاغية وهو ما سيؤكّده الحراك المجتمعي ليوم الأربعاء المقبل، وكذلك موجة الإضرابات التي أعلنت عنها كلّ النقابات ليوم 18 سبتمبر الحالي ، وهو حراك يؤكّد أنّ فرنسا تعيش حالة مخاض فعلي وعسير ، قد يؤدّي إلى إستحالة حُكْمِ فرنسا من طرف أيّ كان.


تابعنا على
تصميم وتطوير