الفنانة التشكيلية تمارا الشبخون ، واحدة من أبرز الأسماء في المشهد التشكيلي العراقي المعاصر. ولدت في بغداد، ودرست الفنون الجميلة في جامعة الموصل، ثم واصلت رحلتها الأكاديمية في بغداد حيث نالت شهادتي الماجستير والدكتوراه في الفنون الجميلة. هي أستاذة في معهد الفنون الجميلة للبنين، وعضو فاعل في نقابة الفنانين العراقيين وجمعية التشكيليين العراقيين، وقد شغلت مواقع إدارية وثقافية مهمة.
شاركت في معارض ومهرجانات فنية عديدة داخل العراق وخارجه، وحصدت العديد من الدروع والشهادات التقديرية، لتؤكد أن حضورها الفني ليس عابراً، بل هو صوت أنثوي عراقي أصيل يمزج بين الأصالة والانفتاح.
في هذا الحوار، تفتح لنا تمارا الشبخون قلبها وذاكرتها، لتحدثنا عن نشأتها، رحلتها الأكاديمية، وصعوبات الطريق، ثم تكشف لنا عن رؤيتها الفنية وأحلامها التي لم تكتمل بعد.
ـ بداية، كيف كانت نشأتكِ الأولى في بغداد ومتى اكتشفتِ ميولك الفنية؟
* نشأتي الأولى في بغداد كانت مليئة بالتنوع الثقافي والحضاري الذي تمتاز به المدينة، فهي مدينة تحتضن الفن والشعر والموسيقى وتعيش في قلب التاريخ. منذ طفولتي كنت أميل إلى الألوان، وأجد في الرسم وسيلة للتعبير عن مشاعري الداخلية. ربما بدأ الأمر في سن مبكرة جداً، حيث كنت أستمتع بتحويل الورقة البيضاء إلى عالم نابض بالحياة. ومع مرور السنوات، تحوّل الفن عندي إلى هوية قبل أن يكون مجرد هواية.
ـ ما الذي دفعكِ لاختيار دراسة الفنون الجميلة في جامعة الموصل ثم متابعة الماجستير والدكتوراه في بغداد؟
* اختياري لدراسة الفنون الجميلة لم يكن صدفة، بل نتيجة شغف عميق بالفن وما يحمله من معانٍ إنسانية وجمالية. قادني الزواج إلى الموصل، وهناك واصلت دراستي في جامعة الموصل التي وجدت فيها بيئة خصبة لصقل موهبتي أكاديمياً. لكن طموحي لم يتوقف عند هذا الحد، فعدت إلى بغداد لأتابع الماجستير والدكتوراه، كي أعمّق بحثي النظري والتحليل الفني وأوازن بين التجربة العملية والتأصيل الأكاديمي.
ـ هل واجهتِ صعوبات كامرأة عراقية في مسيرتكِ الأكاديمية والفنية؟
* نعم، فالمرأة في مجتمعنا كثيراً ما تصطدم بقيود اجتماعية ومهنية، وهو ما جعل الطريق أكثر صعوبة. لكنني نظرت إلى هذه التحديات كجزء من تجربتي، وكدافع لإثبات أن المرأة العراقية قادرة على الإبداع والإنتاج في كل المجالات، ومنها الفن التشكيلي.
ـ ما الدور الذي لعبته العائلة في دعمكِ الفني؟
* العائلة كانت السند الأول، فقد منحتني الدعم النفسي والتشجيع المستمر على الاستمرار والمشاركة. إيمانهم بقدراتي منحني طاقة لا تقدّر بثمن وساعدني كثيراً على تجاوز الصعاب.
ـ كيف تنظرين اليوم إلى مشواركِ التدريسي في معهد الفنون الجميلة؟
* أراه من أجمل محطات حياتي. التدريس ليس مجرد نقل معرفة، بل هو عملية تبادل ثقافي وفني، فأنا أتعلم من طلابي كما يتعلمون مني. أشعر بمسؤولية كبيرة تجاه الأجيال القادمة، وأسعى لغرس حب الفن وصدق التجربة في نفوسهم، قبل الجانب الأكاديمي البحت.
ـ أي محطة تعتبرينها الأهم في حياتكِ المهنية والفنية حتى الآن؟
* كل محطة تحمل قيمتها الخاصة، لكن مشاركتي الأولى في معرض دولي خارج العراق كانت نقطة تحول كبرى. هناك شعرت أن تجربتي يمكن أن تُقرأ وتُفهم في سياق عالمي، لا محلي فقط.
ـ كيف توفقين بين عملكِ الأكاديمي، نشاطكِ النقابي، ومسيرتكِ الفنية؟
* التوفيق يحتاج إلى إدارة وقت وحب ما أفعل. أعتبر هذه المجالات الثلاثة متكاملة؛ فالأكاديمية تغذي فكري، والنشاط النقابي في نقابة الفنانين أو جمعية التشكيليين يفتح أمامي أفقاً اجتماعياً ومهنياً، أما الفن فهو المتنفس الروحي والجوهري لي.
ـ ما هو أثر بغداد والموصل في تكوين شخصيتكِ الفنية؟
* الموصل منحتني الجذور والأصالة، فهي مدينة التراث العريق. أما بغداد فوهبتني الانفتاح والجرأة على التجريب. يمكن القول إنني مزيج من العمق الموصلي والانفتاح البغدادي، وهذا المزيج يتجلى في لوحاتي.
ـ ما هي اللحظة التي تشعرين فيها أنكِ حققتِ جزءاً من حلمك؟
* كل لوحة أتمّها تمثل بالنسبة لي تحقيقاً لجزء من الحلم. لكن أكثر اللحظات تأثيراً كانت حين عرضت لوحتي الأولى ورأيت الجمهور يتفاعل معها بصدق، عندها شعرت أنني لا أرسم لنفسي فقط بل أشارك في حوار إنساني مع الآخر.
ـ لو لم تكوني فنانة تشكيلية، أي مهنة كنتِ ستختارين؟
* ربما سأكون كاتبة أو شاعرة، فأنا مشدودة دائماً إلى عوالم الفكر والخيال. الكتابة مثل الرسم، كلاهما محاولة لفهم العالم وتفسيره.
ـ كيف تصفين أسلوبك الفني، وأي المدارس التشكيلية تجدين نفسكِ أقرب إليها؟
* أسلوبي يميل إلى المزج بين التعبيرية والتجريدية. أستخدم اللون والرمز والإشارة كوسائط لنقل المشاعر والأفكار. أجد نفسي أقرب إلى التعبيرية التجريدية، لكن دون أن أنقطع عن الرموز التي تعبر عن هويتي العراقية.
ـ ما المواضيع أو الرموز التي تتكرر في لوحاتكِ؟
* المرأة، الميزان، وحمامة السلام، كلها رموز تتكرر في أعمالي. من خلالها أحاول قراءة الحياة والوجود، وأعكس قلق الإنسان وأسئلته الكبرى.
ـ كيف تنظرين إلى دور المرأة الفنانة في المشهد التشكيلي العراقي اليوم؟
* المرأة العراقية أثبتت حضورها القوي رغم الصعوبات. اليوم هي جزء لا يتجزأ من المشهد التشكيلي، تضيف إليه حساسية جمالية ووعياً اجتماعياً فريداً.
ـ شاركتِ في مهرجانات عربية ودولية عديدة، أي مشاركة كانت الأكثر تأثيراً فيكِ؟
* لكل مشاركة طعمها الخاص، لكن الملتقيات الدولية التي جمعت فنانين من ثقافات متعددة كانت الأكثر تأثيراً. هناك أدركت أن الفن لغة عالمية تتجاوز الحدود السياسية والجغرافية.
ـ حصلتِ على عضوية مهمة في نقابة الفنانين وجمعية التشكيليين، ما الذي أضافته هذه المسؤوليات لمسيرتكِ؟
* أضافت لي بعداً تنظيمياً واجتماعياً، ومنحتني فرصة لخدمة الوسط الفني والثقافي، والدفاع عن حقوق الفنانين، مما زاد من مساحة تأثيري وتأثري.
ـ ما الذي يميز مشاركاتكِ في المعارض داخل العراق عن مشاركاتكِ في الخارج؟
* داخل العراق تكون مشاركاتي أقرب إلى الروح لأنها موجهة لجمهوري الأول، أما في الخارج فهي فرصة لتعريف العالم بفننا العراقي وإبراز هويتنا.
ـ كيف ترين العلاقة بين الفن التشكيلي العراقي والفنون العربية والعالمية؟
* الفن العراقي عريق وأسّس للحركة التشكيلية العربية، وهو قادر على التفاعل مع الفنون العالمية مع الحفاظ على خصوصيته. هناك تبادل خصب بين المحلي والعالمي.
ـ هل لديكِ طموح لإقامة معرض شخصي عالمي يحمل اسمكِ؟
* نعم، هذا أحد أحلامي الكبرى، وأسعى لتحقيقه قريباً ليكون معرضاً يعكس تجربتي كصوت عراقي إنساني للعالم.
ـ ما الجوائز أو التكريمات التي تعتبرينها الأقرب إلى قلبك؟
* الأقرب إلى قلبي هي تلك التي نلتها من وطني العراق، فهي اعتراف من جمهوري المحلي بجهدي، وشهادة تقدير لا تقدر بثمن.
ـ برأيكِ، ما هو دور الفنان التشكيلي في صناعة السلام وتعزيز الحوار بين الشعوب؟
* الفن التشكيلي جسر إنساني عابر للغات، يمنح الشعوب فرصة للحوار والتلاقي. الفنان يمكن أن يكون رسول سلام، يعبر عن الألم والأمل، ويخلق أرضية مشتركة للتفاهم الإنساني.