رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
حلقة قادرية في ليلة بوسنية


المشاهدات 1228
تاريخ الإضافة 2025/08/31 - 10:40 PM
آخر تحديث 2025/09/02 - 10:38 AM

كان الظلام قد أرخى سدوله على المكان حين دخلنا الباحة الداخلية لتكية الحاج سنان في حي سَغَرْجِيَه الهادىء، الملاصق للمدينة القديمة « باشجارشيا». وكان السكون يخيم على الغرف المضيئة من الداخل، وبالكاد لمحتُ شاباً يبدو أنه أجنبي، يستعجل الوضوء عند المغاسل مع ولده الصغير، فيما كانت زوجته بزيها الإسلامي تنتظرهما عند عتبة تؤدي إلى غرفتين متقابلتين. تبيّن لي لاحقاً أن الغرفة التي على اليمين مخصصة لإقامة حلقات الذِكر الصوفي للرجال، فيما تُخصص الأخرى لصلاة النساء واستماعهن لتلك الأذكار. وقد عرفتُ، حين اجتمعنا، أن الشاب باكستاني الجنسية، جاء مع اسرته الصغيرة مسرعاً للحاق بحلقة الذِكر. 
انتظرتُ مع رفيق رحلتي أيمن عند الباب المؤدي إلى الغرفتين ،نسترقُ السمع  ونمنّي النفس بلقاء الشيخ سعد خليلاغيتش. كنا نسمعُ همهمة وتسبيحات بأصوات خافتة، تُتلى عادة بعد الانتهاء من الصلاة، وانتظرنا طويلاً حتى خرج أحدهم. سألناه بلطف عن الشيخ، فأجاب مرحباً ودعانا إلى الدخول إلى قاعة الذِكر، أو الـ « سماخانَه» وهي قاعة سماع الذكر والإنشاد الصوفي. كانت الجلسة قد بدأت مع دخولنا، حيث جلس الشيخ محاطاً بحلقة من الشباب البوسني، وإلى جانبهم مشاركون من جنسيات مختلفة، بدا أنهم من السياح الراغبين في حضور مثل هذه الجلسات الصوفية.
في دراستها « رحلة في غمار صوفية البوسنة والهرسك» تقول الباحثة البوسنية مريم توليتش : « إن أحد أهم الأدلة والشواهد على انتشار التصوف في البوسنة منذ مرحلة مبكرة، يتمثل في عناية البوسنيين بكتب الصوفية جمعاً ودراسة وتصنيفاً، حتى صارت كتبهم هي الأوسع انتشاراً بين ما حوته المكتبات العامة والخاصة من مخطوطات. ويؤيد ذلك العدد الكبير من التكايا الذي ازداد بسرعة، إذ يذكر الرحالة أوليا جلبي في وصفه لسراييفو في منتصف القرن السابع عشر، أن مجموع التكايا فيها بلغ سبعاً وأربعين تكية. كما غصّت التكايا بالكتب والمخطوطات، فعلى سبيل المثال، كانت تكية سنان باشا في سراييفو تضم مئتين واثنتين وعشرين مخطوطة». غير أن «جميع التكايا في البوسنة أغلقت عام 1952، وحُظرت طرق الدراويش كافة، بعد الغاء المحاكم الإسلامية الشرعية عام 1946، وصدور قانون يمنع النساء من ارتداء الحجاب، واغلاق آخر كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم»، وذلك بحسب ما يذكره الصحفي والمؤرخ السياسي البريطاني نويل مالكوم عن حقبة يوغسلافيا تحت حكم تيتو، في كتابه عن البوسنة.  أما اليوم، ففي البوسنة ما يقرب من مئة زاوية وتكية، منها نحو عشر تكايا في سراييفو وحدها، التي تنتشر فيها بشكل خاص طرق التصوف النقشبندية والقادرية والرفاعية والشاذلية. ومن اقدمها تكية الحاج سنان التي دخلناها هذه الليلة، لنجد أنفسنا مشاركين في حلقة ذكر قادرية يحييها الشيخ سعد خليلاغيتش.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير