عادة ما أجد نفسي حائرا حيال الكيفية التي يتوجب معها التعامل مع تاريخنا. تاريخنا الموغل بالقدم وهو كثيرا ما تختلط فيه الأساطير والخرافات بالحقائق, وتاريخنا الأقرب من حيث الشهود والوقائع والاحداث والرواة. والرواة في كلا التاريخين القديم والاقرب هم “آفة الأخبار”. من منطلق هذه الحيرة فإن السؤال الذي كثيرا ما يتبادر الى ذهن المثقف أو الباحث عن الحقيقة بعد كل ما يبدو زيفا او تضليلا أو خداعا أو تغليسا أو حتى تواطؤا ، هو .. ماهي الأدوات التي يتعين عليه إستخدامها لكي يصدق هذه الرواية ويكذب تلك؟ هل على المثقف أن يتعامل مع التاريخ بوصفه حقائق دامغة لأنها رويت أحداثا ووقائعا على لسان فلان وفلان وأحيانا علان أم يتوجب عليه لكي يصل الى الحقيقة أو حتى نصفها ومرات ربعها بل حتى أحيانا “ست دراهم” هذه الحقيقة أن يشكك بكل هذا التاريخ بكل وقائعه وملاحمه وحيثياته وأقداره؟
مما يتعين على المتابع أو المثقف أو الباحث حتى لو كان “نص ردن” أن يقف طويلا أمام ماقرأه بدءا من تاريخ الخامس الإبتدائي وصولا فيما بعد, بعد عقود من الثقافة والتثقف والمثاقفة الى تواريخ طنانة رنانة تبدأ بالطبري ولا تنتهي بأبن كثير والهمداني والباقلاني ووو عشرات من مجلدات هذا التاريخ الذي لعب فيه الرواة وأشباههم “شاطي باطي” . لكن بعد كل هذه القراءات والمتابعات التي تبدو ثابتة ساكنة لايحركها شيء ولا ينقص منها حدث أو واقعة قد تكون مختلفا على ترتيبها ضمن هذا التاريخ لا على صدقيتها هل يتعين عليه “تصديق” كل شيء ولو على علاته إن ترك لنا المؤرخون علات وعلاليل؟
سؤال آخر حائر لا يحار جوابا وسط كل هذا الكم الهائل من المعلومات والوقائع والمعارك والحروب والابطال وبعضهم فتنا بهم واي فتنة بحيث صاروا جزءا مما نحفظه عن ظهر قلب من مقولات وبطولات إرتبطت بمعارك خالدة مثلما قرأناها لا مما شكك بها فيما بعد ممن “لايخافون من الله” ممن أربكونا وجعلونا نشكك حتى في أنفسنا. نحن في الوقت الذي نحتاج فيه بالفعل الى إعادة نظر في جزء غير يسير من هذا التاريخ ووقائعه, فإننا نحتاج في الوقت نفسه الى أن نرسو على بر في كيفية تقييمه وضبطه بحيث لايكون عرضة للتشكيك أمام أي برنامج نلفزيوني أو “بودكاست”. هناك المزيد مما يثير الأسئلة والشكوك معا لكن سأكتفي بمثالين فقط وكلاهما من التفلزيون. المثالين سوف أتعامل معهما كسؤالين يظلان حائرين لأن هز القناعات أو تغييرها بعد عقود من التعلم أمر في غاية الصعوبة. هل يتعين علي تصديق ما قرأته بدءا من الابتدائية الى آخر كتاب في التاريخ أن أصدق هذا التاريخ على علاته وعلاليه بشأن القائد العربي فاتح الأندلس طارق بن زياد صاحب أخطر مقولة في تاريخ الحروب “العدو أمامكم والبحر من ورائكم” أو أصدق المؤرخ المرحوم فاضل الربيعي؟ الربيعي يقول لا وجود له ولا وجود حتى لفتح الأندلس. العرب دخلوا الأندلس مهاجرين لا فاتحين وأبوكم الله يرحمه. ليس هذا فقط, ماذا يتعين علي قوله وعلى الكثير من عشاق القائد المسلم الكردي الأصل صلاح الدين الأيوبي مؤسس الدولة الايوبية وموحد مصر والشام والحجاز وتهامة وبين ماقاله عنه المثقف العربي البارز يوسف زيدان مشككا حتى بأصله متهما إياه بما لا يبدو إنه يليق به طبقا لمحفوظاتنا ووقائع التاريخ قبل التشكيك. هل تاريخنا متخيل أم حقيقي؟ سؤال لا أملك الإجابة عنه وعليه. والسؤال .... مو عيب.