توجّه الإثنين الماضي السفير الأمريكي في باريس تشارلز كوشنر برسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أدان فيها عدم قيامه بما يكفي لمكافحة”معاداة السامية” في فرنسا” ، ومؤكّدا على “الإرتفاع الحادّ لوتيرة الإعتداءات ضدّ الفرنسيين من أصول يهودية ، “وضدّ ممتلكاتهم ومعابدهم” ، ومعلوم أنّ السفير الأمريكي في فرنسا يتمتّع بقرابة عائلية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب . وقامت باريس في المقابل باستدعاء السفير الأمريكي للاحتجاج على هذه الرسالة ، ما يفتح باب أزمة دبلوماسية ، يُنتظر أن تتواصل حتّى شهر سبتمبر القادم ، وذلك في إطار الضغط الأمريكي لمنع فرنسا ودول أوروبية أخرى من الإعتراف بالدولة الفلسطينية . ويحصل الإجماع على طابع الرسالة العنيف وغير المسبوق ، إضافة إلى تعارضها الواضح مع الأعراف الدبلوماسية ومع مقتضيات القانون الدولي ، الذي يمنع إمكانية تدخّل السفراء في الشؤون الداخلية للبلدان التي يؤدّون فيها وظائفهم الدبلوماسية . ومن الواضح أنّ السفير الأمريكي ، يسير على خطى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، الذي كان كتب الأسبوع الماضي رسالة إلى الرئيس الفرنسي ،إيمانويل ماكرون ، للتنديد بنوايا الاعتراف بدولة فلسطين سبتمبر المقبل ، واتّهمه “بتأجيج معاداة السامية في فرنسا “ وهي إدّعاءات وصفتها الرئاسة الفرنسية ب”الباطلة “ و”الحقيرة” ، ومؤكّدة على أنّ الرسالة “ لن تبقى بلا ردّ” . وتعترف بالدولة الفلسطينية 147 دولة من أصل 193 عضوة في الأمم المتّحدة ، وتخشى الدوائر الصهيونية توسّع نطاق الإعتراف ليشمل دول أوروبية أخرى عدّة ، وهو ما قد يزيد في عزلة الكيان الصهيوني دوليا . وساهم العدوان الصهيوني الوحشي ضدّ الفلسطينيين والأراضي الفلسطينية في الضفّة الغربية وغزّة تحديدا في تضييق الخناق على “ دولة” الإحتلال التي تمهّد لعدوان أوسع وشامل على قطاع غزّة بنيّة إعادة احتلاله بالكامل تحت عنوان القضاء النهائي على “حماس” وإطلاق سراح الرهائن . ورغم التأثرات المحدودة لمسألة الإعتراف بالدولة الفلسطينية كجزء لا يتجزّأ من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، فإنّ ذلك من شأنه أن يُبْقي على الأمل في تحصيل وافتكاك هذه الحقوق التي أكّدتها الشرعية والقانون الدولييْن رغم حيفهما في حقّ الشعب الفلسطيني التاريخي . إنّ دولة الإحتلال كما هو الحال بالنسبة للولايات المتّحدة الأمريكية على وعي تامّ بهذه “المخاطر” التي تهدّد الكيان المحتلّ وهو ما يفسّر الحملة الشرسة والشعواء ضدّ مجرّد الإعتراف بالدولة الفلسطينية ، لأنّ ذلك يفتح في تقديرهم باب الحقّ على مصراعيه ، وإنّ حرب الرسائل في هذا الخصوص هي محاولة مهووسة ، لكنّها يائسة لوَأْدِ قضية الشعب الفلسطيني إلى الأبد ، لأنّها تغفل أو تتغافل على حقيقة تاريخية وهي أنّ إرادة الشعوب لا تُقهرُ .