مطلع الثمانينيات ونهاية السبعينيات شكّل الفنان المخرج محسن العلي ظاهرة لافتة بالمسرح العراقي سميت في حينها «بالمسرح الجماهيري» التي كان لها تأثير على مستوى الاقبال على المسرح، بعد أن انحسر بسبب وآخر، والذي أخذ بالتأثير على المستوى الاقتصادي للفنان الذي كان يعاني حالة مزرية من الحاجة وضيقاً في العيش.
بدأ أواسط الثمانينيات خاصة أن المسرح في العراق كان يتجاذبه اتجاهان رئيسان شكّلا المشهد المميز لهذا المسرح العريق، وبالرغم من افتراق هذين الاتجاهين في الغايات والوسائل، بل في كل شيء، فإنهما ظلاّ يمثلان بنية مهيمنة لأيّ ناقد او باحث، وهذان الاتجاهان هما: المسرح الجماهيري والمسرح التجريبي الأكاديمي الذي انحسر في كلية ومعهد الفنون الجميلة وبعض الفرق العريقة، لقد ظهر المسرح الاستهلاكي ويسمّيه آخرون (التجاري) بمثابة نوع من الترفيه لشعب يخوض حرباً دامية (الحرب العراقية الايرانية 1980 ـ 1988) ، وبالتالي بعض منه ليس خارج إطار المعرفة، والفكر، والدراما، والصراع.
كانت بدايات المخرج محسن العلي من الإذاعة حيث دخلها مبكراً عندما كان طالباً في المرحلة الثانية في معهد الفنون الجميلة، وتدرج في عمله الإذاعي من مساعد مخرج ومن ثم أصبح مخرجاً إذاعياً، وأول تجاربه الإخراجية الإذاعية كانت من خلال برنامج تأريخي اسمه (طريق السلامة)، وبعد ذلك انتقل الى العمل في الدراما الإذاعية قسم التمثيليات في إذاعة بغداد وأصبحت مخرجاً في قسم التمثيليات والدراما الإذاعية.
الفنان والمخرج القدير «محسن العلي» ولد في مدينة الموصل في محافظة نينوى عام 1953بدأ حياته الفنية ممثلاً في مسرح الشباب، فرقة مسرح الرواد، في الموصل عام 1967، وبالتأكيد، فإن مدينة الموصل العريقة بالأدب والتاريخ والعلماء، ساهمت بتكوين ملامح شخصيته الفنية، وقدم أكثر من 15 عملاً مسرحياً، بعد أن تتلمذ على أيدي الكثير من الأستاذة الكبار في الموصل أمثال عز الدين ذنون، ومحمد طبو، وراسم السباه، هؤلاء المخرجون منحوه الفرصة ليكون ممثلاً واستطاع أن يطور من ملكات إبداعه خلال عام واحد ليتدرج في الأدوار من دور ثالث الى دور ثانٍ الى دور رئيس.
نال شهادة دبلوم في الفنون المسرحية عام 1976 من معهد الفنون الجميلة، ثم البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة، عمل في فرق مسرحية عراقية عديدة منها: (فرقة مسرح الشباب - فرقة مسرح الرواد - فرقة مسرح الشباب المعاصر - فرقة المسرح العسكري)، أسس فرقة مسرح النجاح واستمر برئاستها منذ عام 1988، وعمل مخرجاً في الفرقة القومية العراقية.
حصل على العديد من الجوائز، أهمها جائزة (أي تي أي) المركز العراقي للمسرح 1985، جائزة أفضل مخرج للمسرح العراقي 1995، وجائزة أفضل مخرج للشباب 1975، وجائزة الصحافة العراقية 1988، وجائزة (التانيت الذهبية) في تونس عن مسرحية (الجنة تفتح أبوابها متأخرا)، وجائزة الإبداع الكبرى لعام 2000 عن وزارة الثقافة والإعلام، وجوائز أخرى عديدة مهمة ومختلفة.
رحلة الفنان محسن العلي الفنية بدأت مبكرة عندما بدأ مخرجاً إذاعياً، ثم ولج التلفزيون ليكون ممثلاً يشار له بالبنان حينما كان الحظ حليفه عندما اختاره المخرج عبد الهادي مبارك ليجسد شخصية تلفزيونية في برنامج (الباب المفتوح) بدلاً عن ممثل آخر لم يحضر التصوير، أدى شخصية كوميدية لشخص يأكل كثيراً حتى يفقد الوعي وفعلاً تم التصوير لمرة واحدة لئلا يمكن أن يعاد المشهد أكثر من مرة بسبب طبيعة المشهد، وظل المشهد يعاد عرضه لمدة أسبوع كامل في التلفزيون دون عن المشاهد الأخرى من البرنامج كونه حقق حضوراً لافتاً، وكان هذا الدور أول علامة فارقة له في التلفزيون، ثم اشترك في تمثيلية (النافذة) بدور رئيس أيضا بترشيح من المخرج عبد الهادي مبارك، وهكذا توالت الأعمال التلفزيونية.
وبتأكيد كانت بداية الرحلة من نينوى بتجربته المتواضعة متوجهاً إلى بغداد لغرض دراسة الفن في معهد الفنون الجميل، وعمل في نينوى مع فرقة مسرح الرواد العريقة وأسس فرقة مسرح الربيع مع زملائه فناني المحافظة، وقد شارك بأعمال مسرحية عديدة ولكن منذ انطلاقه الأول إلى بغداد قرر أن يعود إليها بتجربة متواضعة فكان عليه أن يعمل ويجتهد في المجالات كافة، ولهذا يجد أن المرحلة الجديدة في بغداد هي البداية الحقيقية، وكان طالباً وعمل ممثلاً ومخرجاً ومصمماً للديكور والإضاءة والمكياج، أسس فرقة في بغداد بعنوان (الشباب المعاصر) وكان معه الدكتور سعدي يونس، ومن أعمال هذه الفرقة وأهمها العاصفة لشكسبير ثم توالت الأعمال فيما بعد، وهناك بعض المسارح العراقية ليست بالمستوى المعروف للمسرح العراقي الملتزم عندما يتواجد أنصاف الفنانين ويدخلون على المهنة، يحدث الخلل والارتباك في العمل وما يحصل الآن في بعض الزوايا ليست مسرحيات ولا تمد للمسرح الحقيقي بصلة، ولا هي بالمسرح الشعبي بل مجرد سكيتشات غنائية لا علاقة بالمسرح بها إنما صورة مشوهة للمسرح. رافقت المخرج محسن العلي سنوات طويلة منذ ان التحق طالبا بمعهد الفنون الجميلة مع انه يسبقني بسنوات، لكنني اقتربت منه أكثر حينما شرع بتنفيذ مشروعه المسرحي بعد امتلاكه مسرح النجاح في قلب بغداد (شارع الرشيد)، كنت احضر تمارينه المتعبة القاسية على الممثل وكادر فريقه المسرحي، لكني حينما احضر العروض اجد المشاهد مندهشا منسجما أمام العروض المسرحية التي يقدمها فهو يتطلع إلى أفق فني ممتد إلى ذات المتلقي نفسها. ولكي نبحر في هذا المدى علينا أن نواصل رحله فنية طويلة قبطانها الفنان (محسن العلي) بدأ منذ عقد الستينيات في نينوى ومروراً عبر خط الشروع في القرن الواحد والعشرين.. ولنتألق مرة أخرى في نينوى ومسرحية ابن البلد، ينتابه الخوف دائماً حتى هذه الساعة ومنذ البداية وهو يقدم على أي مشروع مسرحي جدي وكأنه يقدم على العمل الأول في حياته أو باكورة أعماله ويتقدم هذا كله النص الذي يشرع بقراءته وإذا حصلت القناعة التامة به ينهي قراءته ويضعه جانباً لفترة تستغرق شهوراً من أجل ترك مسافة من الزمن يهيئ نفسه للشرود فيه والانشغال به ثم يعود لقراءته من جديد مرات عدة لكي يبدأ العمل فيه بعد أن يكون قد أبحر في متنه. وهو يمسك العصا من الوسط على تماس كبير بالواقع الاجتماعي والبيئة والسلوك الفردي، يحب المناخات الشعبية حتى في المسرحيات الجادة، المناخ القريب من الفرد دون اللجوء إلى الحواجز والمعرقلات من خلال اصطناع رموز غامضة فهو يميل إلى المسرحية ضمن معطيات المشاهد نفسه ولهذا يعمل على الأخذ بأدق التفاصيل ويجنح إلى بساطة الفكرة والعرض ويعتقد أن مواطننا العراقي يحتاج إلى ذلك. “كثير من الإخوان والزملاء يعلقون ويقولون أنت تعرف ماذا يريد المشاهد” وعليه فهو يقدم عرضاً هدفه المتعة التي تلامس الواقع الاجتماعي بصراحة متناهية بعيداً عن اللف والدوران. إنه يعشق الممثل» كونه أصلا ممثل “لهذا يشتغل دائماً وفق آلية الممثل فيحكم الصنعة مع الممثل الذي يعمل معه. الممثل إمكانية ومادة خام يفتح الأبواب المغلقة لديه بانتباهه الدقيق إليه وربما يكون هو نفسه في غفلة من ذلك ولهذا يتألق كذلك فهو ليس أنانياً فعمله الأول والأخير هو الممثل وخير دليل على ذلك الفنان المتألق جواد الشكرجي فنان له إمكانية عالية جداً ولكنه أراد أن يقدمه في مسرحية (الجنة تفتح أبوابها متأخرا) لأنه صمم أن يكون له كاركتر آخر غير المتعارف عليه وكان حضوره كبيرا جداً لقد خرج من إطار العمل العسكري وأخذ العمل المسرحي العسكري إلى البيئة الاجتماعية لارتباط العسكر بالمجتمع بشكل تام فكان التأثير واضحاً وكان الإنتاج المسرحي ليس نابعاً من مؤسسة عسكرية وإنما مؤسسة فنية وقد نافست هذه الأعمال المؤسسات الفنية وربما طغت عليها.
أخرج العديد من المسرحيات التي لاقت نجاحاً جماهيريا كبيراً كمسرحية (بيت وخمس بيبان) و(أطراف المدينة) و (مقامات أبو سمرة) و (المحطة) و (اطراف المدينة) وغيرها، فضلاً عن أعماله الإنتاجية لكثير من المسلسلات والأفلام والبرامج داخل العراق وخارجه، اسمه علامة فارقة في خارطة الفن العراقي لما له من منجزات فنية ثرة استثنائية في مجال التلفزيون والمسرح والإذاعة والإنتاج والإخراج والتمثيل، قد يصعب على غيره تحقيقها.
لقد سعى العلي من خلال تجربته العريقة ممثلا ومخرجا وكاتبا أن يجعل من عروضه المسرحية قريبا من هموم المجتمع العراقي، وأن تحترم تلك الأعمال ذائقة المشاهد وأسرته الجالسة أمام خشبة المسرح، كون المسرحيات الشعبية تعد أعمالاً توجيهية موجهة الى المجتمع بشكل مباشر لذلك يجب ألا تتجاوز الكوميديا حدود الإسفاف من خلال بعض العبارات الخادشة أو الحركات غير اللائقة. فهو في مسرحياته يقدم رقصا تعبيريا تؤدي فيه خيرة الممثلات الشخصيات لان النصوص محترمة فهي تحترم الممثل او الممثلة والجمهور بشكل عام .. فالعرض المسرحي عند محسن العلي كان على شكل احتفالية ضمن المأساة الضاحكة، فالإنسان يعيش مواقف كثيرة وفكره مزدحم، لذلك تأتي المسرحية من واقع الحياة اليومية للإنسان العراقي وما يعيش في حياته اليومية. والموضوع مثير للجدل لأن المسرح بشكله يتعلق بالأوضاع السياسية العصيبة وتراجع مفاهيم القيم والأخلاق، فالموضوع يتسم بالجرأة في الطرح والأبطال هم المشاهدون، وبناء عليه ستكون هناك صعوبة على الممثل والمخرج والمؤلف في طرح القضايا بشكل يقنع الجمهور. لقد طرح العلي المواضيع بشكل عام وركز على التناقضات، لأن الضحك ليس على الشخصيات، ولكن على المواقف، وهو ما نتركه للمشاهد لفهم الموضوع.ومع ان الفضاء المسرحي العراقي لم يكن فضفاضا او متاحا لمحسن العلي خاصة لتواجد أسماء ذات وزن كبير وخاصة في الثمانينيات التي كانت ميداناً فعلياً وكبيراً لازدهار المسرحية التجريبية خاصة بعد عودة العديد من الموفدين لدراسة المسرح خارج العراق مثل د. عوني كرومي ود. صلاح القصب ود. عقيل مهدي ود. فاضل خليل وآخرون تلاحقت خبراتهم مع مشهد مسرحي حيوي مثل عزيز خيون وناجي عبد الأمير وشفيق المهدي... هؤلاء وغيرهم، بالإضافة الى من سبقهم ممن ظل يعمل في الثمانينيات، حملوا لواء التجريب في المسرح العراقي لكن كانت هناك قطيعة من الجمهور الذي بدأت بوادره بالوضوح بين العرض المسرحي خاصة مع التطرف في التجريب الذي تقصّده بعضهم، على انّ التجريب المسرحي الذي ازدهر في أواسط الثمانينيات كان له مدلوله الرمزي الذي يتمثل في الارتداد الى الداخل الذات مع سيادة نمط الثقافة الاستهلاكية التي كانت مطلوبة تماماً في أعوام الحرب، وبالتالي الاعتماد على تعدد قراءات العرض الواحد وذلك من أهم ما يريد المسرح الجديد تحقيقه... ولكن الأمر في النصف الثاني من العقد الأخير في قرن العراق الماضي كان مغايراً لتلك المقدمات، وهذا ما شكّل مفاجأة وصدمة في الأوساط الثقافية العراقية التي أبهجها نجاح التجربة في الثمانينيات ومن بقي في العراق كان أمر تقديمه لمسرحية جديدة أشبه بالمعجزة! بسبب قساوة الظرف النفسي والاجتماعي والمادي، ولهذا قلّ نتاجهم.
وبالرغم من ظهور اسماء جديدة مثل حيدر منعثر وغانم حميد وكاظم النصار وأحمد حسن موسى وعباس الحربي، الذين بدأوا منذ اوائل التسعينيات، إلاّ أنهم لم يستطيعوا إعادة المشهد المسرحي في العراق الى حيويته التي كانت في مطلع الثمانينيات رغم محاولاتهم العديدة الجادة، وهكذا برز المسرح الجماهيري ليتسيد هذا المشهد، وهذا التسيّد لم يكن ليلغي أبداً الالتماعات الذكية التي كان أطلقها جماعة المسرحيين الجدد من مخرجين وكتاب كمحسن العلي وفلاح شاكر وفاروق محمد وهاني هاني بين آونة وأخرى. اعمال ذات مضامين رافضة للحرب كمسرحية (الجنة تفتح أبوابها) تأليف فلاح شاكر اخراج محسن العلي، ومشروعاً مسرحياً اخر كتب فلاح هوفيه (قصة حب معاصرة) اخرجها الفنان الراحل هاني هاني و(مئة عام من المحبة) و(أعالي الحب) وأخرجهما الفنان د. فاضل خليل .
وإذا حصرنا الحديث عن مسرحية (الجنة تفتح أبوابها) التي كانت صرخة ضد النظام والحروب بشكل عام، نجد قدرة المخرج في صياغة مشهديه بمهارات العرض فيقدم الاخراج على خشبة مسرح نظيفة ومليئة بالاقتصاد وتكريس العلامة البصرية المنفتحة على التأويل ويمازج في تقنيات الاداء التمثيلي بين خبرتين واسلوبين في الاشتغال الاول يمثّله اثنان من أبرز الممثلين المحترفين في المسرح العراقي وهما الفنانان القديران جواد الشكرجي وشذى سالم ورائد محسن ، ومن الواضح في العرض رجحان كفة الاسلوب العلي في التقديم الذي اعتمد خفة الحركة ورشاقتها وسرعتها ثم الاستعراض بالجسد والصوت وتقديم مهارات في القدرة على استيعاب مشاهد طقسية تلامس الوجدان.. المسرحية تتحدث عن قصة أسير يعود الى بيته بعد سنوات من الغياب، ولكن عند وصوله يكتشف أن أول من يتنكر له في هذه الحياة التي غادرها عنوة ثم عاد اليها بقدرة قادر، هي زوجته ... والمصيبة أنها تتنكر اليه لا لأنها لم تعد تحبه أو لا تميل له أو أنها استبدلته برجل آخر، بل لأنها لم تعد تعرفه (أنت لست زوجي) ويجيبها الاسير ( الى هذا الحد غيرني الاسر) وهذا هو الخط الدرامي الرئيسي الذي تأسست عليه حكاية المسرحية ومتعطفاتها التي اعتمدت عدة مواضيع ( اجتماعية، سياسية، عاطفية، ووجودية، ودينية) تناولها المؤلف جميعاً دفعة واحدة باعتبارها سبباً ومسبباً مركزياً للحدث الرئيسي الذي تتمحور حوله وفيه المسرحية. أما بخصوص تجربته المسرحية الأخيرة مع الفنان الكبير دريد لحام ( السقوط) فيقول عنها : المسرحية تقودنا إلى أجواء كثيرة، فهي تحمل الطابع السياسي، وقد تعمدنا الابتعاد عن الشكل الواقعي واتجهنا إلى التجريد والإيحاءات الرمزية، فالمسرحية عبارة عن لوحات فنية متصلة ترصد الأوضاع العربية الحالية بشكل كوميدي ساخر. نعم لقد تخليت عن الشكل التقليدي القائم على كثرة الديكورات والإكسسوارات، وركزت أكثر على الرمز والممثل ليعطي الإيحاءات الزمنية والمكانية. لكن أحيانا قد لا تصيب في تطوير الحدث الدرامي تصاعديا من خلال ترك المساحة الفارغة في إعطاء دلالات للحدث.. أنا لا أقدم هنا مسرحاً بواقع اجتماعي، بل أقدم نقدا اجتماعيا بواقع سياسي، لذلك ففي المسرح طالما أنت قادر على انتزاع العقل من المتفرج للتفكير، فإنك تصل الى النقطة التي انطلقت منها. وبعيدا عن المسرح رغم الذي يشغله حاليا بمشروعين مسرحيين، المشروع الأول مسرحية شعبية تتحدث عن بغداد في حقبة الأربعينيات، والعمل الآخر مسرحية اسمها (حتى يرضى) من تأليف رفيق رحلته واسرارها المؤلف فلاح شاكر، فقد عمل العلي خلال مسيرته الفنية سبعة أفلام سينمائية فقط كون الإنتاج السينمائي العراقي كان ضعيفاً، إذ كان يقدم في السنة الواحدة خمسة وأربعة أفلام، لذلك كان هناك شح في الإنتاج السينمائي، وهناك سبب آخر جعلني مقلاً في أعمالي السينمائية هو المسرح الذي أخذ شوطا كبيرا من حياتي الفنية وما تتطلبه العروض المسرحية من تمارين تصل الى شهرين وأكثر لذلك تفرغ للمسرح مخرجاً مسرحياً.. مع انه أنتج كثيراً من الأعمال العربية في مصر وغيرها من الدول وكان له حضور عربي واسع في مختلف النشاطات العربية الفنية، وكان السبب الحقيقي وراء انتاج اعمال تلفزيونية انهاء عزلة الفنان العراقي عربيا، بمعنى أن نجومنا العراقيين غير معروفين بأعمالهم في البلدان العربية الأخرى، فهو يرى -أي الفنان محسن العلي- : الفنان العراقي لم يسهم في عزلته عن المحيط العربي بل وجد نفسه بحكم الظروف المختلفة معزولاً عن النشاطات العربية، بكل صراحة بعض القنوات الفضائية العربية تعد العقل العراقي مؤدلجاً كون هناك خلط ما بين الإعلام وبين الفن لذلك كان كل شيء مسخرا للإعلام في الفن، فضلاً عن ان أعمالنا العراقية كانت ذات صبغة محلية بحتة أكثر مما هي عربية، وأستثني هنا بعض الأعمال التي خرجت عن نطاقها المحلي مثل مسلسل (فتاة في العشرين) و (النسر وعيون المدينة)، و (الأماني الضالة)، و (عش الأزواج) كون هذه الأعمال تحاكي قصصاً عامة في المجتمع، الآن الإنتاج العراقي مازال إنتاجا محليا ولا يرعى اختيار قصص الأعمال أن تكون ذات قيمة، كون تلك الأعمال تعرض على قنوات فضائية عراقية مشاهدة من جميع العالم، لذلك المشاهد العربي ليس له الاستعداد لمشاهدة مسلسلات عراقية تحاكي قصصا محلية ضعيفة في المحتوى والإخراج، وأقصد هنا بعض الأعمال العراقية وليس الكل، وان الدور الحقيقي للفنان هو استشراف للمستقبل وما يحدث من تراجع ونكوص في الواقع العربي وتغييب دور الجماهير، وعلى الفنان المساهمة في العملية التثويرية والتنويرية.. محسن العلي هذا المجتهد المبدع المحاصر بالغربة الشاقة المتعبة وهو العراقي الملتصق بتربة وطنه العاشق للناس المساكين وقد جسدهم في مسرحه.. هو يصرخ «الغربة هي الوطن المنشود والأمل الضائع في حلم الخلاص من الانتظار لرؤية وطن حقيقي.. نحن محصورون في الهجرة بفعل دجل وكذب السياسيين، والمنتفعين، وسرقة أمانينا، وطموحاتنا.. إننا كفنانين رصيدنا الأول جمهور الوطن ونحن بعيدون عنه جسدا فقط، إنما نحن في ضميره ولن نتوقف طالما لدينا قدرة».
أخيرا قالت نشرة دورية يصدرها المعهد الدولي للمسرح بالتعاون مع منظمة اليونسكو إن الظروف الاستثنائية التي كان يعيشها العراق لم تحد من الإبداع المسرحي فيه، إذ شهد العام الماضي ولادة عدد من العروض المسرحية التي نالت استحسان الكثيرين. وقالت النشرة إن أحد أهم هذه العروض كان مسرحية «اكتب باسم ربك» للكاتب فلاح شاكر والمخرج محسن العلي، وهي مسرحية سلطت الضوء على معاناة العراقيين في ظل الحرب والحصار. وقد عرضت المسرحية في عدد من الدول العربية، واحتشد لمشاهدتها جمهور كبير في عرض استمر ساعتين، جسّد فيه الممثلون روعة الإبداع المسرحي. كما نالت المسرحية وسام اتحاد الفنانين اللبنانيين حين عرضت في بيروت، وأفردت لها الصحف مساحات واسعة وأثنت عليها.كما وبعد عشرة أعوام من الانقطاع العراقي عن مهرجان القاهرة التجريبي، شارك العراق في عام 2000 بمسرحية «الجنة تفتح أبوابها متأخرة» وهي للمؤلف فلاح شاكر والمخرج محسن العلي، وتناولت معاناة أسير عائد إلى الوطن بعد سنوات طويلة، ونال العرض إعجاب الجمهور المصري الذي عدّه واحدا من أفضل العروض العربية المشاركة في المهرجان.
تذكرة: يعاني الفنان القدير محسن العلي من مرض عضال، ويحتاج الى علاج مكلف ويومي وهو في غربته.. شفا الله القدير العزيز أبا علي.. ومكنه من الصمود بوجه هذا المرض.. وندعو من الحكومة متمثلة بالسيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ومن مكاتبه الإعلامية والثقافية والجهات الأخرى رعايته، وتحمل أعباء العلاج وأجور المستشفيات التي تأخذ منه مأخذا كبيرا.