رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
هدى رمضان .. صوت إذاعي راسخ في ذاكرة المستمعين


المشاهدات 1701
تاريخ الإضافة 2025/08/20 - 10:03 PM
آخر تحديث 2025/08/27 - 7:07 PM

تُعد المذيعة الرائدة هدى رمضان  واحدة من أبرز الأصوات التي عرفها المستمع العراقي عبر أثير إذاعة بغداد منذ أواخر ستينيات القرن الماضي. بصوتها الواضح، ولغتها السليمة، وقراءاتها الأدبية الواسعة، استطاعت أن تضع بصمتها في البرامج الإذاعية التي ما زال الكثيرون يتذكرونها حتى اليوم. وبعد سنوات طويلة من اعتزالها، كان لنا معها هذا اللقاء للحديث عن بداياتها، ذكرياتها، وأهم محطاتها في الإذاعة. 
* كيف كانت البداية وكيف دخلتِ إلى الإذاعة؟
ــ عام 1967 كان دخولي الأول إلى الإذاعة، ولم أكن حينها متدربة بل طلب مني مباشرة الدوام في قسم المذيعين، وبعد عشرين يوماً فقط أسندوا لي مهمة تقديم برنامج (ما يطلبه المستمعون)، فكانت تلك البداية الحقيقية.
* لابد أنك خضعتِ للاختبار قبل القبول؟
ــ بالتأكيد، كل من يرغب بالعمل كمذيع كان عليه اجتياز الاختبار. تشكلت اللجنة آنذاك من الأستاذ إبراهيم الزبيدي رئيس المذيعين، والدكتور فؤاد عباس للغة العربية، والمخرج أسعد عبد الرزاق، ورابع لا أتذكر اسمه. تضمن الاختبار قراءة نشرة أخبار قصيرة وبعض الأبيات من الشعر العربي الفصيح، وقد جرى التسجيل في الأستوديو الرئيسي للإذاعة للتأكد من صفاء الصوت ونقاوته.
* هل ما زلتِ تتذكرين شكل الأستوديو؟
ــ كان الأستوديو يتميز بعزل صوتي متقن وأجهزة تسجيل دقيقة. أذكر أننا أثناء أحداث انقلاب 1968 لم نسمع أصوات الإطلاقات النارية ونحن بداخله. كانت الأجهزة روسية الصنع ذات كفاءة عالية.
* وماذا عن نتائج الاختبار؟
ــ نجحتُ مع مجموعة من الزملاء والزميلات أذكر منهم خيرية حبيب، بشرى الجميلي، سميرة (زوجة المخرج صلاح كرم)، هناء محمد، عدنان الجبوري الذي أصبح فيما بعد مديراً عاماً للتلفزيون، الدكتور عبد الجبار جعفر، والأستاذ ميسر.
*  ألم يكن لديك طموح للعمل في التلفزيون؟
ــ كنت من الوجوه المرشحة لذلك، لكنني اعتذرت، فيما تقدم زميلاتي خيرية وبشرى وسميرة للعمل فيه.
* وأين كانت الإذاعة تقيم دوراتها التدريبية للمذيعين؟
ــ كانت الدورات تقام في معهد التدريب الإذاعي والتلفزيوني المقابل لمبنى الإذاعة، واستمرت ثلاثة أشهر درسنا خلالها اللغة العربية والإنكليزية وفنون الإلقاء والصوت.
* من هم أبرز الأساتذة الذين درّسوكم؟
ــ كان من بينهم أسعد عبد الرزاق، بدري حسون فريد، الدكتورة فائزة الأسمر (من فلسطين، للغة الإنكليزية)، الدكتور فؤاد عباس،  والدكتور عناد غزوان.
* وكيف كانت طريقة تدريسكم وتعامل الإذاعة مع المذيع الجديد؟
ــ إضافة إلى الدروس النظرية، كنا نجلس طويلاً مع المذيعين القدامى ونتمرن عملياً في الأستوديو. ولمدة أربعة أشهر لم نكن نقول سوى جملة «هنا إذاعة جمهورية العراق» حتى نكتسب الثقة ونضج التجربة.
* ما أبرز ذكرياتك في العمل الإذاعي؟
ــ أذكر أن نشرة البيانات والإعلانات الرسمية كانت صعبة عليّ بسبب غرابة أسماء بعض الفلاحين الواردة ضمن قانون الإصلاح الزراعي. كنت أضع خطاً تحت الأسماء وأحفظها مسبقاً قبل إذاعة النشرة، فهي مسؤولية أدبية كبيرة، لأن هذه النشرة كانت الوسيلة الوحيدة للفلاح لسماع اسمه ومراجعة دوائر الدولة.
* الرقابة في الإذاعة كانت صارمة، كيف عايشتِ ذلك؟
ــ نعم، التدقيق كان مستمراً وصارماً. الخطأ الواحد كان يغرم المذيع خمسة دنانير، وكان المبلغ كبيراً قياساً بالراتب البالغ ثلاثين ديناراً، أي أن تكرار الأخطاء قد يطيح براتب المذيع كله.
* كيف كانت أساليب متابعة البث؟
ــ كان يُسجَّل كل ما يذاع على شرائط كبيرة في غرفة الكنترول، ليُراجع عند حدوث أي خطأ أو مشكلة.
* ماذا عن إعداد الأخبار وقراءتها؟
ــ كانت مهمة شاقة. تصلنا الأخبار من وكالات رويتر، الفرنسية، وأسوشيتد برس على أوراق باهتة وحروف حمراء مقطعة. تخيل أن نقرأها لأول مرة مباشرة على الهواء. وكان هناك رجل اسمه حنون يأتي بها إلينا على دراجته الهوائية.
* وكيف تعاملتم مع المايكروفون؟
ــ كنا نطلق عليه لقب «الحبيب الجبار» وأحياناً «الدكتاتور الغدار»، فهو من يمنحنا حضوراً رقيقاً لدى المستمع، لكنه قد ينقلب إلى دكتاتور قاسٍ إذا أخطأنا.
* كيف تصفين مستوى العاملين في الإذاعة حينها؟
ــ كان هناك جيش من الكفاءات الثقافية والفنية. المذيع، المخرج، المعد، والمهندس جميعهم من النخبة المثقفة ذات القدرات العالية.
* هل كانت إذاعة بغداد وحدها في العراق؟
ــ لا، كان هناك 13 إذاعة موجهة بلغات متعددة منها الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والفارسية والأوردو والعبرية وغيرها. أحياناً كنا نشارك في بث نشرات للأوربيين.
* حدثينا عن اهتماماتك الأخرى؟
ــ أحببت الشعر منذ صغري. شاركت مع المذيع سامي السراج في برنامجه (كلمات على الشاطئ) حيث كنا نتحاور بالشعر وكأننا عاشقان. ثم أعددت وقدمت برامج عدة أبرزها (أقبل الليل)، وهو برنامج أدبي موسيقي يتناول الشعر والرسائل والمشاعر الإنسانية. خلال الحرب العراقية الإيرانية كانت تصلني مئات الرسائل من الجنود إلى أمهاتهم أو زوجاتهم، وكنت أقرأها بصوتي ومشاعري، حتى لُقبت بـ «صديقة الجنود».
* وهل استمر البرنامج طويلاً؟
ــ نعم، ظل مستمراً حتى عام 1989 حين طلبت إحالتي على التقاعد للتفرغ لعائلتي وأولادي الثلاثة الذين أصبحوا على أبواب الجامعة. وبعد محاولات عدة وافق المدير العام حينها، زميلي عدنان الجبوري، على طلبي.
* والبرامج الأخرى التي شاركتِ فيها؟
ــ قدمت برامج كثيرة، منها: أوراق الليل، وبرامج سياسية وثقافية، إضافة إلى برنامج مرحبا بغداد، الذي كان يبث مباشرة على الهواء، ويتلقى اتصالات المستمعين العرب والعراقيين من داخل البلد ومن أوربا.
* كيف كانت رؤية المذيعين القدامى لكم أنتم الجيل الجديد؟
ــ في البداية، كان الرواد ينظرون إلينا بعين الشك لصغر سننا وقلة خبرتنا. أذكر منهم المرحوم سليم المعروف، الذي كان مع زملائه يعتقد أن تجربتنا لن تستمر طويلاً. لكن مع مرور السنوات والعمل الدؤوب تغيرت نظرتهم، واعترفوا بأنهم لم يتوقعوا أن نقدم مثل هذا العطاء ونحن شابات صغيرات.
* من ذكرياتك الميدانية الأخرى؟
ــ في أوائل السبعينيات، عقد اجتماع موسع للمذيعين والعاملين في الإذاعة والتلفزيون. يومها تحدث المذيع الكبير المرحوم غازي البغدادي إلى المدير العام بجرأة قائلاً: ليس كل شخص يمكن أن يكون مذيعاً، فالمذيع عملة نادرة ومن الصعب تعويضه. العامل في الإذاعة يمكن أن يصبح ملاحظاً ثم مديراً ومديراً عاماً وربما وزيراً، لكن من غير الممكن أن نصنع من الوزير مذيعاً. كانت تلك العبارة تلخص قيمة المذيع ومكانته.
* هل يمكن أن تذكري لنا بعض الأسماء التي عاصرتيها وكان لها أثر في تاريخ الإذاعة؟
ــ زاملت عدداً كبيراً من المذيعين الذين لا يمكن أن أنساهم، ومنهم: محمد علي كريم، إبراهيم الزبيدي، أمل المدرس، كلادس يوسف، سهام يونان، سعاد الهرمزي وشقيقها تحسين الهرمزي، غازي البغدادي، مشتاق طالب، سعاد عزت، نهاد نجيب، موفق العاني، موفق السامرائي، بهجت عبد الواحد وزوجته هناء عبد القادر وشقيقتها هالة عبد القادر، وفيق رؤوف، طارق حسين، خمائل محسن، ابتسام عبد الله، واعتقال الطائي. أما المذيع القدير المرحوم محمد علي كريم فكانت لنا معه ذكريات لا تُنسى، خصوصاً بعد عودته من المملكة العربية السعودية حيث عمل مستشاراً إعلامياً. كان يروي لنا قصصاً ممتعة عن نشوء الإذاعة والفنانين الرواد، ومنها حكاية طريفة عن المطرب الكبير محمد القبانجي. إذ اعتقل ابنه لمشاركته في إحدى التظاهرات، ولم تشفع وساطات القبانجي لإطلاق سراحه بسبب الأحكام العرفية. فقيل له إن الوحيد القادر على التدخل هو نوري السعيد باشا. قصد القبانجي بيت نوري السعيد ليلاً، واستأذن لمقابلته، وحين علم الباشا أن ضيفه هو «أبو المقام» أدخله فوراً. طلب منه القبانجي إطلاق سراح ابنه، فابتسم نوري السعيد وقال: سهلة، لكن بشرط أن تقرأ لي مقاماً. أجابه القبانجي: لا يوجد موسيقيون. فرد الباشا: سهل جداً، سأتصل بالإذاعة. وبالفعل حضر عازفان، وأدى القبانجي مقاماً أطرب الباشا، فرفع الهاتف وأمر الشرطة بإطلاق سراح ابنه فوراً.
* المواقف الطريفة والمحرجة كانت كثيرة، هل تتذكرين شيئاً منها؟
ــ نعم، لا أنسى موقفاً حدث مع العزيزة أمل المدرس في بداياتها. كانت تقدم أغنية للفنان الراحل حسن خيوكة عنوانها «من البعد لو مي أشربت»، لكنها أخطأت فقرأت العنوان بشكل مضحك: من البَيَر لو مي شربت، فغرق الأستوديو كله بالضحك وظل الموقف يُذكر لسنوات.
* وماذا عن البرامج الخدمية؟
ــ كان من أهمها برنامج: صباح الخير يا عراق ، حيث كان المذيع يتواصل مباشرة مع المرور أو أمانة العاصمة أو غيرها من الدوائر لإيصال شكاوى المواطنين، وبالمقابل كانت هذه الدوائر تعلن عبر البرنامج عن أخبارها وإرشاداتها. فمثلاً كان المرور ينبه السائقين إلى أماكن الاختناقات المرورية أو الشوارع المغلقة. ومن الطرائف أن نشرة الأنواء الجوية أعلنت ذات صباح أن الطقس سيكون صحواً والرياح ساكنة، لكن ما إن بدأ المذيع قراءة النشرة حتى هطلت الأمطار واشتدت الرياح، فضحكنا جميعاً وقلنا: هذه النشرة غير مضبوطة .
* حدثينا عن تجربة البث المباشر؟
ــ فكرة البرنامج كانت للمرحوم مشتاق طالب. كان البرنامج يتصل بالمسؤولين مباشرة لحل مشاكل المواطنين والإجابة عن استفساراتهم، وكانت الاستجابة سريعة وصارمة. لكن التجربة توقفت بعد مغادرة مشتاق طالب للعراق. وبعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً، جرى استحداث قسم المراسلين، وكان الزميل جمال الشرقي مؤسسه، حيث تشكلت شبكة مراسلين في بغداد والمحافظات لتغطية أخبار البلد عبر برنامج يومي بعنوان  العراق اليوم .
* وبعد هذه المسيرة الطويلة والإبداعات، هل حظيتِ بالتكريم؟
ــ نعم، كرمتني وزارة الإعلام العراقية ضمن جيل المذيعين والإعلاميين الرواد، وكان ذلك تكريماً جميلاً لتاريخ مهني طويل. في ختام هذا اللقاء، تمنينا للرائدة هدى رمضان دوام الصحة والعافية، وهي اليوم تقضي أيامها بعزلة فرضها عليها المرض، لكنها تبقى صوتاً إذاعياً لا يغيب عن ذاكرة المستمعين.


تابعنا على
تصميم وتطوير