في العراق اليوم، لم تعد الحملات الانتخابية أسيرة اللافتات والشعارات في الشوارع، بل انتقلت بثقلها الأكبر إلى منصات التواصل الاجتماعي، حيث تُصاغ الأفكار، وتُبنى القناعات، وتتحدد خيارات الناخبين. هذه المساحة الرقمية، بما تتيحه من سرعة انتشار وتأثير واسع، أصبحت ساحة كبرى للتنافس السياسي، لكنها في الوقت نفسه سلاح ذو حدين، قادرة على تعزيز الحوار الديمقراطي وبناء جسور الثقة، كما يمكن أن تتحول إلى أداة لزرع الانقسام وتأجيج الفتن إذا ما أسيء استخدامها.
إدراكاً لهذا التأثير العميق، جاء قرار مجلس القضاء الأعلى ليضع ضوابط قانونية واضحة تمنع استغلال المنصات الرقمية في نشر خطاب الكراهية أو التحريض أو التشهير، حفاظاً على نزاهة العملية الانتخابية. فالخطاب السياسي المثير للانقسام الطائفي أو العرقي لا يضر فقط بالمنافسة، بل يخلق بيئة خصبة للعنف الرقمي والاجتماعي، ويقوض الثقة بالديمقراطية برمتها.
وبقيادة القاضي الدكتور فائق زيدان، أقر المجلس إجراءات رقابية صارمة تردع أي محاولة لتحويل الانتخابات إلى ساحة لتصفية الحسابات أو إثارة الفتنة عبر الفضاء الرقمي، كما شجع المواطنين على ممارسة دورهم الرقابي عبر الإبلاغ عن أي محتوى مخالف، بما يحافظ على أمن المجتمع واستقرار العملية الانتخابية. وهنا يبرز الدور المحوري للقضاء العراقي، الذي لا يكتفي بسن القوانين والضوابط، بل يضطلع بمهمة أسمى تتمثل في حماية العملية السياسية برمتها من العبث والفوضى، من خلال قضاء عادل ونزيه ووطني يضع مصلحة البلاد فوق أي اعتبار، ويضمن أن تبقى الانتخابات ساحة للتنافس الشريف لا ميداناً للفوضى والانقسام.
إن حماية المسار الديمقراطي لا تتحقق فقط عبر صناديق الاقتراع، بل أيضاً عبر صيانة الوعي الجمعي من التضليل والتحريض. وقرار مجلس القضاء الأعلى يمثل خطوة وطنية مسؤولة تؤكد أن حرية التعبير لا بد أن تقترن بالمسؤولية، وأن القضاء العادل هو الحارس الأمين للعملية الانتخابية والسياسية، حتى تبقى الكلمة أداة للبناء، وتظل الانتخابات عنواناً للوحدة الوطنية لا ساحة للفرقة والانقسام.