متابعة/ الزوراء
نشر الحساب الموثق لمراسل الجزيرة أنس الشريف عبر منصة إكس، وصية نُسبت إليه منتصف ليلة الاثنين، يقول فيها «هذه وصيتي ورسالتي الأخيرة، إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي».
وشيع أهالي مدينة غزة امس جثماني الصحفيين الشهيدين أنس الشريف ومحمد قريقع من مستشفى الشفاء إلى مثواهما الأخير في مقبرة الشيخ رضوان، في إطار تشييع 6 صحفيين اغتالهم الاحتلال باستهداف خيمة للصحفيين الليلة الماضية من بينهم أيضا مصورا الجزيرة إبراهيم الظاهر ومحمد نوفل.
ويقول الشريف في الوصية المنسوبة إليه، ومؤرخة في السادس من أبريل/نيسان 2025: «عشتُ الألم بكل تفاصيله، وذُقت الوجع والفقد مراراً، ورغم ذلك لم أتوانَ يوماً عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف».
وقبل مقتله بعدة دقائق نشر الشريف تغطيته الأخيرة لحرب غزة، وقال فيها «قصف لا يتوقف، منذ ساعتين والعدوان الإسرائيلي يشتد على مدينة غزة».
وأعلن مدير مستشفى الشفاء في مدينة غزة مقتل خمسة فلسطينيين باستهداف إسرائيلي لخيمة كان يتواجد فيها صحفيون قرب بوابة المستشفى، من بينهم مراسلا قناة الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع، إضافة إلى المصورين في القناة إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة، وسائق الطاقم محمد نوفل، إضافة إلى إصابة الصحفي محمد صبح، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية وفا.
وأقر الجيش الإسرائيلي بعد الضربة التي استهدفت خيمة الصحفيين، باستهداف الشريف في بيان قال فيه إنه استهدف «القيادي في حركة حماس أنس الشريف الذي تظاهر بصفة صحفي في شبكة الجزيرة»، واتهمه بأنه كان يقود «خلية تابعة للحركة ومسؤولاً عن تنسيق هجمات صاروخية ضد مدنيين إسرائيليين وقوات الجيش».
وأوضح أن العملية نُفذت باستخدام ذخيرة دقيقة مع إجراءات، وصفها بأنها تهدف إلى تقليل الأضرار على المدنيين، بما في ذلك المراقبة الجوية وجمع معلومات استخباراتية إضافية.
من جانبها، أدانت شبكة الجزيرة الإعلامية «الاغتيال المدبَّر لمراسلَينا أنس الشريف ومحمد قريقع والمصورَين إبراهيم ظاهر ومحمد نوفل»، وفق بيان صدر عنها فجر الاثنين.
وأورد البيان: «اغتيال مراسلينا على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي هجوم جديد سافر ومتعمد على حرية الصحافة...الأمر بقتل أنس الشريف أحد أشجع صحفيي غزة وزملائه محاولة يائسة لإسكات الأصوات استباقاً لاحتلال غزة. شبكة الجزيرة وهي تودع ثلة جديدة من خيرة فرقها الصحفية تحمّل جيش الاحتلال وحكومته مسؤولية استهداف واغتيال فريقها».
من جهتها، نعت حركة حماس، الشريف بصفته الصحافية، وقالت إنها «جريمة وحشية تتجاوَز كل حدود الفاشية والإجرام»، مضيفة أن «الاستهداف المتواصل للصحفيين في قطاع غزة، هو رسالة إرهاب إجرامي للعالم بأسره، ومؤشر على انهيار كامل لمنظومة القيم والقوانين الدولية، في ظل صمت دولي شجع الاحتلال على المضي في قتل الصحفيين دون رادع أو محاسبة».
وكان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفخاي أدرعي، قد نشر في وقت سابق بأن مراسل الجزيرة أنس الشريف له «ارتباط بحركة حماس وتغطيته لأنشطة مسلحة».
وفي أغسطس/آب 2024، اتهم أدرعي الشريف بأنه يغطّي «أنشطة حماس والجهاد الإسلامي» في مدرسة قُصفت، وقال في منشور عبر منصة إكس: «أنت تخفي جرائم حماس والجهاد في الاختباء داخل المدارس، أنا مقتنع أنك تعرف أسماء عدد كبير من إرهابيي حماس بين القتلى في المدرسة، لكنك تمثّل مسرحية إعلامية كاذبة لا تمتّ لسكان غزة بصِلة».
وفي يوليو/تموز 2025، قال أدرعي إن الشريف «واحد من ستة صحفيين بالجزيرة تابعين لحماس أو الجهاد الإسلامي»، وهو ما نفته الجزيرة بشدّة.
وفي حينها وصف الشريف اتهامات إسرائيل له بـ»الإرهاب»، بـ»التحريضية» و»محاولة إسكاتي، في مسعى لوقف تغطيتي عبر شاشة الجزيرة ومواقع التواصل الاجتماعي».
وكتب حينها «رسالتي واضحة لن أصمت. لن أتوقف. صوتي سيبقى شاهداً على كل جريمة، حتى تتوقف هذه الحرب في أقرب وقت».
وفي أواخر يوليو/تموز 2025، أصدرت لجنة حماية الصحفيين، وهي منظمة دولية غير حكومية وغير ربحية، مقرها في مدينة نيويورك، بياناً أعربت فيه عن قلقها إزاء ما وصفته بـ»تهديدات مباشرة وتحريض علني» ضد أنس الشريف، عقب تداول مقاطع وتصريحات على منصات تواصل اجتماعي «تشير إليه بالاسم وتشكك في عمله الصحفي».
ودعت اللجنة في بيانها السلطات المعنية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان سلامته وسلامة جميع الصحفيين العاملين في غزة، مشددة على أن استهداف الصحفيين أو التحريض عليهم يشكل انتهاكاً للقوانين الدولية التي تحمي العمل الصحفي أثناء النزاعات.وتزامن بيان لجنة حماية الصحفيين مع موقف مماثل من شبكة الجزيرة، التي أصدرت في 25 يوليو/تموز 2025 بياناً قالت فيه إن ما يتعرض له مراسلها في غزة، أنس الشريف، يندرج ضمن «حملة تحريض» تستهدف مراسليها الميدانيين، واعتبرت ذلك محاولة لإسكات التغطية المستمرة من داخل القطاع.
وأكدت الشبكة أن مراسليها يعملون وفق المعايير المهنية وميثاق الشرف الصحفي، داعية المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته في حماية الصحفيين.
كما صدرت تصريحات من المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحرية الرأي والتعبير، أيرين خان، شددت فيها على أن «التحريض العلني ضد الصحفيين في مناطق النزاع يضاعف من احتمالات تعرضهم للاستهداف، ويقوّض قدرة وسائل الإعلام على القيام بدورها الرقابي».
وأشارت إلى أن القانون الدولي الإنساني يفرض على أطراف النزاع ضمان حماية الصحفيين والعاملين في الإعلام، وعدم استهدافهم أو التحريض عليهم، باعتبارهم مدنيين يقومون بمهمة مهنية أساسية.
وحتى نهاية شهر يوليو/تموز 2025، ارتفع عدد الصحفيين الذين قتلوا منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى 232 صحفياً، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة.
من هو أنس الشريف؟
ولد أنس الشريف في عام 1996 في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، ويُعد من أبرز المراسلين الميدانيين لشبكة الجزيرة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وظهر الشريف بشكل متكرر في بثوث مباشرة من مناطق قريبة من مواقع القصف أو خطوط التماس، ناقلاً مشاهد ميدانية مباشرة.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023 فقد والده، جمال الشريف (65 عاماً)، في قصف استهدف منزل العائلة، وواصل بعدها عمله الصحفي.
وغطّى الشريف حوادث استهداف زملائه، وبينهم إسماعيل الغول ورامي الريفي اللذان قُتلا في غارة على مخيم الشاطئ عام 2024.
والشريف متزوج ولديه طفل وطفلة. وشارك في يناير/كانون الثاني الماضي صورة بثتها زوجته، تجمعه بطفليه عبر حسابه الموثّق على منصة إنستغرام.
من هو محمد قريقع؟
ولد مراسل الجزيرة محمد قريقع في حي الشجاعية بغزة في 15 مارس/ آذار 1992. تخرج في الجامعة الإسلامية في غزة حاصلاً على بكالوريوس في الصحافة والإعلام عام 2015.
في أبريل/ نيسان عام 2024 وجد محمد قريقع جثة والدته أمام مستشفى الشفاء، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من المستشفى (حيث قتله الجيش الإسرائيلي لاحقاً). وفي مارس /آذار 2025 أصيب شقيق محمد قريقع في غارة إسرائيلية على حي الشجاعية توفي على إثرها في المستشفى.
ترك محمد قريقع طفلته زينة وهي الآن في سن الخامسة.