غادرنا مكتبة معهد الدراسات الشرقية في مجمع البنايات القديمة التي كانت تُعرف في الماضي باسم مرابض تيتو العسكرية. وكان تمثال الماريشال جوزيب بروز تيتو يتصدر واجهة الكليات التابعة لجامعة سراييفو، رمزاً لحقبة تاريخية مرت بها البلاد عندما كانت جزءاً من جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية. على الشارع العام تمتد سكة ترام سراييفو، الذي كان يُجّر بالخيول عند افتتاحه لأول مرة مطلع عام 1885، قبل أن يتحول إلى الكهرباء بعد عشر سنوات فقط، لتصبح سراييفو واحدة من أوائل المدن التي حصلت على ترام كهربائي داخل الإمبراطورية النمساوية – المجرية، بعد فيينا وبودابست وبراغ. لاحظتُ أن عدد عربات الترام قليل، وبعضها قديمٌ جداً يعود إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وقد جرى تجديدها بإدخال تعديلات داخلية أو إعادة طلائها. ويعود ذلك إلى أن الشبكة والأرصفة والبنية التحتية للترام تعرضت لأضرار جسيمة بسبب الحصار وحروب التسعينيات، التي دمّرت الكثير من الجسور وخطوط المواصلات والمباني في مدن البوسنة والهرسك، وعلى رأسها العاصمة. ومع ذلك، شاهدتُ وركبتُ عربات جديدة استُقدمت ضمن خطة لاستبدال العربات القديمة تدريجياً منذ العام 2024. تُباع تذاكر الترام في الأكشاك المخصصة عند محطات التوقف، ويمكن شراؤها مباشرة من السائق. لكن بعض السياح المستعجلين، وحتى بعض السكان، يتمكنون من الصعود والنزول مجاناً في محطات قريبة من دون رقابة، إذ إن الدخول إليها متاح للجميع، بخلاف محطات ترام إسطنبول مثلاً التي لا يمكن دخولها إلا باستخدام البطاقة الإلكترونية. كانت وجهتنا هذه المرة كلية الدراسات الإسلامية، التي دلَّتنا عليها موظفة المكتبة بابتسامة ودودة، وأشارت إلى موقعها على خرائط غوغل. ومن أمام المجمع ركبنا عربة الترام التي أعادتنا إلى الجهة المقابلة لرئاسة الجامعة، ومن هناك توجَّهنا إلى حيث كانت سيارة رفيق رحلتي، أيمن، الذي سارع بتشغيل برنامج Waze ليتولى توجيهنا نحو الكلية، الواقعة في قلب المركز التاريخي لسراييفو، وعلى مقربة من السوق القديم المعروف باسم « باش جارشيا «، كما يُنطق بالبوسنية، وهو اسم مشتق من التركية بمعنى البازار، أو السوق الرئيسي. تشغل كلية الدراسات / العلوم الإسلامية مبنى تاريخياً جميلاً يعود تاريخ بنائه إلى أواخر القرن التاسع عشر. وفي واجهته الأمامية سلم حجري مرتفع ينتهي عند المدخل الرئيسي المزخرف بأقواس على شكل حدوة فرس، وقد صمَّم المبنى المعماري التشيكي كارل باريجك مستوحياً الطراز الاستشراقي الممزوج بالعمارة النيو- موريسكية التي ازدهرت في الأندلس، ليكون مدرسة للقضاة الشرعيين. وبعد الحرب العالمية الثانية استخدم المبنى لعدة سنوات مقراً لكلية الحقوق، ثم اصبح متحفاً لمدينة سراييفو، قبل أن يعود إلى وظيفته الأصلية كمؤسسة جامعية للتعليم الإسلامي. أما الكلية بصيغتها الحديثة فقد تأسست عام 1977، باسم كلية اللاهوت الإسلامي، بوصفها الوريث المؤسسي لمدرسة القضاة، وفي عام 2013 أُلحقت الكلية - التي تُعد من أعرق وأبرز مؤسسات التعليم العالي الإسلامي في جنوب شرق أوروبا - بجامعة سراييفو.