رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الانتهازية الإعلامية في العالم العربي: التكويع لمن يدفع اكثر !


المشاهدات 1097
تاريخ الإضافة 2025/08/06 - 9:48 PM
آخر تحديث 2025/08/07 - 11:30 AM

تُعد ظاهرة تغيير المواقف السياسية والإعلامية بناءً على تحولات موازين القوى والداعمين الماليين من أبرز سمات المشهد السياسي والإعلامي في العالم العربي. هذه الظاهرة التي يمكن تسميتها بـ”الانتهازية” أو “التكويع”، ليست جديدة لكنها تتجدد مع كل مرحلة سياسية أو صراع داخلي أو إقليمي، حيث يُعد التكيّف مع الواقع الجديد وأحيانًا التماهي معه أداة للبقاء، ولكنها في ذات الوقت تكشف ضعف القيم والمبادئ لدى البعض ممن يفضلون المصلحة الذاتية على الثبات على المواقف.
في فترات مختلفة من تاريخ المنطقة، شهدنا كيف تحولت أصوات كانت مؤيدة لأنظمة معينة أو حركات سياسية إلى معارِضة لها بمجرد تغير الدعم المالي أو السياسي. على سبيل المثال، كان من الملاحظ في التسعينيات كيف التزمت أصوات إعلامية وسياسية بمواقف داعمة لبعض الأنظمة مثل النظام الليبي او حديثا مثل النظام السوري، بسبب الدعم السخي الذي تلقوه، او بسبب السلطة التي كانوا يحظون بها  بينما سرعان ما تراجعوا عن هذه المواقف بعد سقوط أو تراجع هذه الأنظمة.
الانتهازيون السياسيون والإعلاميون هم من ينقلون “البارودة” من كتف إلى آخر بحسب من يدفع أكثر أو من يمتلك النفوذ في الوقت الحالي. هؤلاء ليسوا سوى أدوات تستخدمها القوى المختلفة لتعزيز مصالحها، وغالبًا ما يفتقرون إلى الثبات على المبادئ أو الالتزام بأخلاقيات المهنة. في مصر، مثلاً، تم رصد تقلب مواقف عدد من الإعلاميين الذين بدأوا يدعمون ثورة 2011 ثم انقلبوا عليها لاحقًا، تبعًا لتحولات السلطة والدعم الحكومي. وفي أماكن أخرى مثل لبنان، يتكرر المشهد باستمرار مع تغير الدعم الدولي والإقليمي.
هذه الانتهازية لا تضر فقط بالمصداقية المهنية لهؤلاء الإعلاميين والسياسيين، بل تضعف الثقة العامة في الخطاب السياسي والإعلامي، ما يؤدي إلى تآكل الثقة بين الجماهير وممثليهم. عندما تتحول المواقف إلى أدوات للمنافع الشخصية، يصبح الخطاب السياسي مجرد عرض مسرحي يخلو من المصداقية والمبادئ، ما يفاقم الأزمة السياسية والاجتماعية في دولنا.
في لبنان، توضح الظاهرة بشكل واضح كيف أن تحولات المواقف لا تنفصل عن ديناميكيات التمويل والنفوذ الإقليمي. من الأمثلة البارزة، ذلك العدد من الإعلاميين والسياسيين الذين دعموا منظّمات مثل منظمة التحرير الفلسطينية خلال فترة كانت يتلقى فيها اعلاميون دعماً مالياً وسياسياً، ثم قلبوا مواقفهم فجأة بعد تغير تلك الظروف. هذا النوع من التحول ليس فقط انعكاساً لغياب الثبات السياسي، بل يدل أيضاً على استغلال معاناة الناس والتلاعب بالقضايا الوطنية لخدمة مصالح شخصية أو أجندات خارجية.
يمكن ملاحظة تحولات جذرية في مواقف العديد من الشخصيات السياسية والإعلامية حسب تغير موازين القوى الإقليمية والدولية. كثيرون ينتقلون بسرعة من دعم تيار إلى معاداته بمجرد تبدّل الدعم الخارجي، مما يعكس انعدام الثبات والمصداقية لديهم، ويتجلى هذا بوضوح في حالات عدة حيث يتغير الولاء وفقاً للمنفعة أو الضغوط، دون اعتبار للمبادئ أو القناعات الوطنية.  
والامثلة كثيرة فالذين هللوا للشرع سينقلبون ضده إذا تغير الواقع السوري او فقد الدعم الغربي. أعداء حزب الله مثلا ، سواء القدامى أو المستجدون، قد يتغيرون أيضاً إذا تبدّلت موازين القوى. المحطات الكبرى تفرز الأوفياء وتطرد المتخاذلين والفاسدين. في الحقيقة التكويع في الإعلام والسياسة ظاهرة يجب تقبلها، لان الرسالة الاعلامية ليست مبنية على اخلاقيات ومبادئ بل هي مبنية للاسف على مصالح مالية وسلطوية فهل مثلا سيكترث الحزب وستتغير استراتيجاته بناء على تغيرات في موقف هؤلاء. 
المسالة لا تتعلق بالحزب بل بالموقف من العدو الاسرائيلي فهل تحررت كل اراضينا حتى اصبحت لا تشكل  تهديداً على لبنان أو المنطقة. الأرض اللبنانية لا تزال تعاني من الاحتلال والاعتداءات المتكررة، والتهديدات الأمنية مستمرة دون انقطاع. الاتفاقات الأخيرة بين بعض الدول العربية وإسرائيل لم تُخفّف من عدوانها أو من تداعياته على الاستقرار الإقليمي، ولا يمكن تجاهل دور المقاومة في مواجهة هذه التهديدات على الأرض. الواقع يؤكد أن التحديات الأمنية التي تفرضها إسرائيل ما زالت قائمة وتحتاج إلى يقظة وطنية وحماية مستمرة.
التغيرات الطارئة من الاعلام المتخاذل والانتهازي ومن بعض السياسيين وحتى الافراد ينمّ عن بلاهة في التفكير وغباء في الرؤية والاهم من ذلك قلة اخلاق ونزعة ميكافيلية بغيضة، فهؤلاء قد انكشفوا فيما السؤال هل الحزب مهتم لأمر هؤلاء الفاسدين والساقطين، لكن الخطورة في تحمله هذه التكويعات من تحريض طائفي ومذهبي وحملات دعائية تستجدي التطبيع مع العدو الاسرائيلي. 
في النهاية، ظاهرة الانتهازية ظاهرة قديمة متجددة ينجو منها أصحاب القضايا وأولاد الأصول الذين يتمسكون بثباتهم ومبادئهم رغم تقلبات الزمن والضغوط المتزايدة. هؤلاء الأشخاص يشكلون العمود الفقري لأي مجتمع يرغب في الحفاظ على هويته وسيادته، فهم لا يتغيرون بتغير الرياح أو مصالح اللحظة، بل يلتزمون بما يؤمنون به من قيم وأهداف بعيدة المدى. بينما يذوب الانتهازيون في متاهات المصالح الشخصية، يبقى أصحاب القضايا هم من يُبنى عليهم مستقبل الشعوب والمجتمعات الحية القادرة على الصمود والنمو. لذا، رغم تكرر هذه الظاهرة، فإن الثبات على المبادئ هو السبيل الوحيد للبقاء والاستمرار بشرف وكرامة.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير