قبل أن تقتحم الهواتف عالم الصورة، وقبل أن تصبح الكاميرا في كل يد، كان في العراق رجال صامتون يحملون كاميرات خشبية ضخمة، يثبتونها على أرجل ثلاثية، ويضعون رؤوسهم تحت غطاء أسود، ثم يطلبون من الزبون أن “لا يتحرك” لثوانٍ، ليولد ما يُعرف بـ «الصورة الشمسية». لم يكن التصوير مهنة فقط، بل طقسًا شبه مقدس، فيه احترام للمكان والزمان والهيئة، وكانت كل صورة تُؤخذ بعناية، وتُحمّض يدويًا داخل صندوق الكاميرا ذاته، بمواد بسيطة وبإضاءة الشمس.
هؤلاء المصورون الشعبيون جالوا حدائق الأمة، وحدائق الزوراء، وساحات بغداد، ومداخل المدارس، يحملون آلاتهم وأحلام الناس. غيّرتهم الأيام، وغابت صورهم خلف التكنولوجيا، لكن ما زالت وجوههم محفوظة في الألبومات القديمة، وعلى جدران الذاكرة الشعبية.
كان المصوّر الخشبي يُعتبر جزءًا من المشهد اليومي، يعرفه الناس باسمه، ويقصدونه في المناسبات أو حين يريدون تخليد لحظة. لم تكن الصورة تُلتقط عبثًا، بل كانت حدثًا استثنائيًا يتطلب أناقة في اللباس، ووقارًا في الملامح.
بعض المصورين كانوا يملكون خلفيات من القماش المرسوم يدويًا، يصنعون بها مشاهد طبيعية أو زخارف تراثية تُضفي جمالًا خاصًا على الصورة. وكانت عدسة الكاميرا الخشبية بمثابة عين شعبية تُوثّق تحولات المجتمع، من طلاب المدارس بزيّهم الرسمي، إلى العرسان في يوم زفافهم، إلى الأطفال وهم يحملون ألعابهم البسيطة. لقد رحل أغلب أولئك المصورين، أو تقاعدوا بصمت، لكن صورهم ما زالت تتكلم، تحتفظ بملامح وطن تغيّر كثيرًا، لكنها تمنحنا نافذة نطل منها على براءة أيام مضت.