هل توجد مدينة قديمة مدفونة تحت مدينة بغداد الحالية؟، سؤال طُرح مؤخراً بعدما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يظهر وجود سراديب عميقة تحت الأرض تم اكتشافها خلال العمليات الأخيرة لتأهيل شارع الرشيد وسط العاصمة، حيث فسّر البعض تلك السراديب على أنها تدل على وجود مدينة أخرى مدفونة تحت الأرض.
لكن هذا التساؤل سرعان ما نفاه مؤرخون بغداديون حيث عرّفوا تلك السراديب بأنها ممرات وأقبية تقع تحت الأرض، يمتد تاريخها إلى العصر العباسي والعهد العثماني وتستخدم لأغراض شتى.ويقول المؤرخ معتصم المفتي إنه “قبل إنشاء شارع الرشيد، كانت هذه المنطقة عبارة عن مجموعة من الأسواق المسقوفة والأزقة الضيقة، وتضم دروبا صغيرة يتصل بعضها بالبعض الآخر، وثمة طرق فرعية تؤدي إلى نهر دجلة”، مبيناً أن “شارع الرشيد كان عبارة عن طريق عسكري شقه الوالي العثماني خليل باشا في بداية القرن العشرين بهدف تسهيل حركة الجيش والمعدات الحربية”.
ويضيف: “كانت هذه المنطقة قبل شق الشارع تضم سوق الصفارين وسوق هرج وسوق السراي، وجميعها مسقوفة، وثمة أزقة وشوارع ضيقة تحيط بهذه المنطقة، إضافة إلى وجود طرق فرعية تربطها بنهر دجلة، ومنها طريق الصابونجية وطريق العباخانة”.ويوضح المفتي أن “الوالي العثماني “ناظم باشا” هو أول من شق الشارع عام، 1910، إلا أن الشق كان صغيرا وشبيها بزقاق ضيق، فقام الوالي خليل باشا، عام 1916 بشق الشارع بشكل أوسع، حتى عرف حينها باسم شارع خليل باشا، قبل أن يصبح اسمه شارع الرشيد عام 1936”، مبيناً أن “الهدف الرئيسي من شق الشارع كان لتسهيل حركة القوات والمعدات العسكرية، بالإضافة إلى أسباب مادية، لأنه كان من السهل شق الشارع في زمن الحرب بتعويض أصحاب الدور المهدومة بسندات بعد الحرب”.
ويؤكد أن “سراديب شارع الرشيد القديم تختلف عن السراديب التاريخية المعروفة في بغداد قبل ذلك العهد ، إذ أن معظم سراديب شارع الرشيد ومنطقة السراي هي سراديب بسيطة، وتستخدم غالبا لخزن البضائع، ولم يتم استخدامها من قبل الحكومة لخزن الأسلحة والعتاد وغير ذلك، لأن الحكومة العثمانية اكتفت بشق الشارع وحسب لتسهيل مرور القوات العسكرية، أما الأهالي فقد استخدموها للراحة وحفظ البضائع، ولا يعني ذلك وجود مدينة أخرى تحت الأرض، لأن السراديب بطبيعتها طراز قديم وشائع”.
تختلف السراديب باختلاف العصر واختلاف المدن، فالسراديب البغدادية في العصر العباسي وفق مؤرخين، تختلف عن سراديب بغداد في الزمن العثماني، بيد أن القاسم المشترك بينهما، هو أن كثيراً من الناس كانوا يستخدمونها من أجل الوقاية من الحر، إذ تنخفض درجة الحرارة بداخلها إلى حد كبير بالمقارنة مع ارتفاع درجات الحرارة خارج السرداب. ويؤكد المؤرخ والنسابة عدنان الموسوي أن “سراديب بغداد عالم غامض يجهله كثيرون لعدم وجود مصادر تعرض تفصيلياً حجمها وعمقها ومساحتها وأهداف وجودها التي تختلف باختلاف الأزمان والمتغيرات”.ويضيف الموسوي أن “مدينة بغداد كانت تضم سراديب كثيرة تعود لفترات زمنية بعيدة، وأن الأهالي يستخدمونها للوقاية من الحر وحفظ الأطعمة خلال العصر العباسي، وخاصة تلك البيوت التي تقع إلى جوار النهر، إذ تصبح السراديب خير وسيلة لاتقاء الحر والرطوبة”.ويشير إلى أن “السراديب التي كانت أكثر شيوعا في بغداد، هي تلك التي كانت خلال العصر العباسي لأن أهدافها كانت كثيرة، إذ تستخدم كمخازن وملاجئ، فضلا عن استخدامها مكانا للعيش خلال فصل الصيف من قبل الأهالي”، لافتا إلى أنه “على الرغم من قلة المصادر المتعلقة باستخدام العباسيين للسراديب لخزن الأسلحة، إلا أن كثيراً من الدلائل تؤكد إنشاء سراديب بذلك العصر لتكون ملاجئ وأماكن اختباء وخزن الحبوب”.