منذ بداية عمله بصفة رئيس التحرير التنفيذي لجريدة البينة الجديدة، قبل ما يقرب من عشرين عاماً، يواصل الزميل عبد الزهرة البياتي سعيه، بكل حرص ومسؤولية، لأن تكون هذه الجريدة، صوتاً للمواطن البسيط، ومرآةً لأوجاعه اليوميّة، وعيناً على الوطن، ومساحةً للرأي الحر، ولساناً ناطقاً بالحقيقة مهما كانت مُرَّة.
وخلال تلك السنين، واظب على كتابة عموده الصحفي “وجع يومي”، القريب من هموم الناس ومعاناتهم اليومية، محاولاً ايصالها إلى الجهات المسؤولة، بالكلمة المؤثرة، والفكرة الإيجابية، والمقترح الذي يخفف عن كاهل المواطن المنتمي إلى مختلف الشرائح الاجتماعية، والمستويات المعيشية والثقافية. ذلك أنَّ قلم عبد الزهرة البياتي، السهل الممتنع، يتنفس الوطنية بعمق، ويشعربمعاناة المواطنين مهما اختلفت مشاربهم وتوجهاتهم، حتى توحدت أوجاعه مع أوجاعهم، فصارت وجعاً واحداً، وعموداً واحداً، يبتسم مرةً، ويغضب مرةً، ويسخر مرةً، ويبكي آلاف المرّات . ولو تصفحتَ الأجزاء الأربعة من كتابه عمود الوجع اليومي، التي أصدرها خلال السنوات العشر الأخيرة، والتي تضمُّ أكثر من ألفٍ وخمسمائةٍ وخمسينَ عموداً ومادةً صحفية، لوجدتَ مشهداً بانورامياً واسعاً يلخص لك نبض الناس في كل مرحلة من مراحل حياتهم، وفي كل سنة من سنينهم العجاف التي مرّت، وهم ينتظرون تحقق بعض ما وُعدوا به من خدمات أساسية، واصلاحات إدارية، وقضاء على الفساد، وتفكيك للأزمات، و... لا يزالون ينتظرون. والمدهش أنَّ قلم البياتي لم يشعر يوماً بالتعب. ولم يقنط ، ولم ييأس. ولا تزال أوجاعه تنهمر يومياً حبراً أسودَ، يغلي على الصفحة الأخيرة! .
في كتابه الجديد فضاءات أدبية، الذي يضمُّ حوارات متنوعة، وأعمدة، وقراءات نقدية وثقافية وأدبية، وقصص نجاح، ومواد صحفية توزعت على أكثر من ثلاثمائة صفحة من القطع الكبير، يصف الصحفي الرائد زيد الحلي الكتابَ بأنه “واحةُ معرفة”، وهو وصف لا يجافي الحقيقة، إذا ما تنقَّلنا من عمود إلى آخر، وقرأنا متابعات الكاتب لمختلف الشؤون الأدبية والصحفية والفنية والثقافية والأكاديمية، ومتابعاته الخبرية، وانتقالاته بين عرض كتاب، أو منجز أدبي، أو ابداع فني، من دون أن يغفل عن استخدام أسلوب السخرية حيثما اقتضت الضرورة، أو ينسى مهمته في عمود وجعه اليومي، فيلتقط نبض الشارع، ويحرث من جديد في أوجاع الثقافة والمثقفين، والصحافة والصحفيين، ويحاول بلسمة الجروح هنا وهناك، وزرع الأمل في النفوس، إيماناً منه بأنَّ قلم الكاتب ينبغي أن لا يتراجع أمام الصعاب، وألّا يخذل القراء بركونه إلى اليأس، بل يبقى على الدوام في طليعة الحاملين لشعلة النور، مهما اشتد الظلام، أو تكالبت الرزايا، أو انعدمت الرؤية، أو اختفت معالم الطريق .
وإيماناً بحقيقة أساسية تقول: إنَّ العراقي، حيثما وجد ظروفاً مثالية، ومناخات إيجابية مشجّعة ومحفّزة، فإنه يعطي من جهده الثرَّ، وإبداعه المتميز، على كل الصعد والمجالات. فالعراقي الإنسان، هو تماماً كمثل أي بذرةٍ، إذا وجدت الظروف الملائمة للإنبات، أصبحت شجرةً وارفة الظلال، تعطي ثمارها اليانعة، وهي مزهوة شامخة، على مدار الأيام والسنوات. بهذه الكلمات يلخص البياتي الحقيقة التي يؤمن بها تجاه الشخصية العراقية المرتبطة بالإبداع في شتى مجالات الحياة، حين تتوفر لها الفرصة، والبيئة المناسبة، والرعاية والاهتمام.
عبد الزهرة البياتي، الزميل والصديق القديم الذي عرفته منذ ثلاثين عاماً، صحفيٌ مواظبٌ، وانسانٌ متواضع، مخلصٌ لمهنته، ولقيمها الأخلاقية، بقي طيلة العقدين الأخيرين متمسكاً بقناعاته الصحفية، وسماته الخلقية، التي مكّنته من قيادة مشروع صحفي ورقي ناجح بامتياز في أصعب الظروف والتحديات، محافظاً على شرف المهنة وسمعتها واحترامها، من خلال التزامه بالمصداقية، والموضوعية، والإستقلالية، واحترامه لقواعد المهنة الصحفية، ومواثيقها، ومبادئها، وأخلاقياتها. وفي كتابه الجديد “ فضاءات أدبية”، يقدم رؤاه وانطباعاته تجاه العديد من القضايا بروح ناقدة إيجابية، هدفها الإصلاح، لا التشهير ولا التجريح، متخذاً طريق الكلمة الطيبة، والنية الصافية، والموعظة الحسنة.