كان اسمه قديما: “المشي وراء القطيع”.
عبارة تحمل في طياتها تلميحا بالضعف، بالتبعية، بانعدام الشخصية. تُقال غالبا كشتيمة مبطّنة أو توصيف لمن لا رأي له، ولا موقف، ولا حتى ملامح. يُمسي تابعا، مفعولا به، يُقاد دون أن يسأل: “إلى أين؟” أو “لماذا؟”.
لكن، وفي زمن السرعة والسطحية والضغط الافتراضي، تغيّر الاسم، وصار أكثر قبولا… بل أكثر بريقا. صار اسمه: “الترند”.
الترند هو ذاته القطيع، لكنه مموّه، ملوّن، مُعزز باللايكات والريتويتات والفلاتر.
الفرق الوحيد بينهما أن القطيع كان يُساق بعصا، بينما الترند يُساق بشاشة. نتسابق اليوم للحاق به، نخشى أن نُترك خلفه، نحسّ أن من لا يركب الموجة كأنه خارج الزمن. صرنا نلبس ما تلبسه الشاشة، ونأكل ما تنشره الشاشة، ونضحك ونغضب ونرثي ونصلي وفق ما تُشير به الشاشة. صارت أحزاننا موسمية، وغضبنا مؤقت، وهمومنا على المقاس: لا تتجاوز 30 ثانية.
ولعل الأخطر من ذلك، أننا لم نعد نشعر بالعار من التبعية، بل نراها نوعا من “الانخراط” و”المواكبة”.
صرنا نخجل من الأصالة، ونخاف من التفكير المستقل، ونتهم من يسير عكس التيار بأنه “معقّد”، و“متأخر”،
“مو فاهم السوشال ميديا”.
فكيف تحولنا من أناس نعيب “القطيع”، إلى جماعة تفتخر بأنها “ترندنج”؟
كيف استبدلنا التبصّر بالتلقين؟ والموقف بالموضة؟ والحقيقة بما هو شائع؟
لقد أصبح “الترند” أقوى محركات الرأي، وأشدها تأثيرا على النفس والعقل والسلوك.
صرنا ضحية نمط جديد من الطاعة: طاعة نابعة من الرغبة في الظهور، لا من الخوف…
لكنها في النهاية طاعة.
ربما آن الأوان لنتوقف لحظة، ونسأل:
هل نحن نعيش حياتنا… أم نعيش ما يُملى علينا تحت عنوان: “الترند”؟