في عمق أرض ديالى، وتحديداً في رقعة (الخشم الأحمر) ، حيث كانت الصخور تلوذ بالصمت منذ عقود، بدأت الأرض أخيراً تبوح بأسرارها. هناك، في نقطة لم يكن يتوقع أحد أن تتحول يوماً إلى محطة مفصلية في مسار الطاقة بالعراق، بدأ مشروع الغاز غير المصاحب يرى النور، مستنداً إلى خبرات عالمية ورؤية عراقية تتطلع إلى الاستقلال الطاقي، والخروج من عباءة الاعتماد على الغاز المستورد.
في هذا التحقيق نرصد تفاصيل مشروع “الخشم الأحمر” ، ونسلط الضوء على أبعاده التنموية، ونطرح الأسئلة التي تشغل بال العراقيين اليوم: ما حجم الفائدة الحقيقية؟ هل تأخرنا كثيراً في استثمار هذه الثروات؟ وماذا عن فرص العمل، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وحتى الاستقلال السياسي؟ ولكي نسلط الضوء على هذا المشروع المهم نبدأ التحقيق من بداياته اذ ذكرت وزارة النفط أن شركة الهلال النفطية قد بدأت في عملية تطوير مشروع حقل «الخشم الأحمر»، الذي يُعد ثاني أكبر حقول الغاز في شرق العراق.
وأوضحت أن الملاكات الفنية والهندسية التابعة لشركة الهلال النفطية قد باشرت في أولى مراحل تطوير الحقل الذي يقع أقصى شمال ديالى، والذي تم تكليف الشركة بتطويره مؤخرًا من قبل وزارة النفط الاتحادية .
وأضافت ، أن جميع الإجراءات الأمنية قد تم استكمالها، بما في ذلك تشكيل غرف العمليات الخاصة بالنقاط الأمنية وإقامة الحواجز، مما جعل الحقل مؤمنًا بنسبة 100 %.
وأشارت إلى أن العملية ليست سهلة، بل تتسم بالتعقيد وتتطلب وقتًا وجهودًا، بالإضافة إلى متابعة مستمرة لعمليات نقل المعدات والتقنيات الحديثة .
أن مشروع تطوير حقل الخشم الأحمر يُعتبر طموحًا، خاصة وأن الدراسات تشير إلى أن احتياطاته كبيرة، ما يجعله ثاني أكبر الحقول الغازية في قاطع شرق العراق, ومن المحتمل أن ترتفع هذه الاحتياطيات بشكل كبير إذا ما تم استكمال جميع مراحل التطوير، مما سيتيح تحديد الكمية الحقيقية للاحتياطيات الموجودة في باطن الأرض.
من هنا يتبين ان جهودًا حكومية كبيرة لتسريع وتيرة تطوير الحقل، وتسهيل كافة الإجراءات ومعالجة أي إشكاليات قد تواجه المشروع، مع ضمان الأمان التام للكوادر العاملة في المنطقة، التي تتمتع بتعقيد جغرافي لكن تم تأمينها بنسبة 100 %».
المشروع يحظى بأهمية كبيرة فالعراق اليوم بات ساعيا بشكل حثيث إلى استثمار الغاز بعد أن اتخذت الولايات المتحدة قرارا بعدم استيراد الغاز الإيراني ولهذا وجه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بالمضي في التعاقد مع شركة نفط الهلال للحصول على 100 مليون قدم مكعبة قياسية من الغاز، من أجل الاستفادة منه في تشغيل محطات الطاقة الكهربائية.
من الجدير بالذكر أن شركة نفط الهلال هي شركة تابعة ومملوكة بالكامل لمجموعة الهلال، وتتخذ من الشارقة مقراً لها، وتُعتبر أول شركة خاصة تعمل في قطاع استكشاف وإنتاج النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط، وتمتد خبرة نفط الهلال لأكثر من 40 عاماً كمشغل دولي في عدد كبير من الدول.
“الزوراء” ولكي تكون على وضوح كامل لهذا الاكتشاف الكبير الذي من به الله سبحانه وتعالى على العراق الذي استطاعت الشركة اكتشافه من بين صخور صامتة خرساء لسنوات طويلة جدا، وجدت نفسها ملزمة بإعداد تحقيق صحفي متكامل الإرجاء والإحاطة بهذا المشروع وكيف يستفيد منه العراق ليضمه إلى مشاريعه القادمة في الاستفادة من الغاز ولتحريك وتنشيط الطاقة الكهربائية في العراق. لكل هذا أجرت تحقيقا صحفيا مع شخصيات بارزة في قطاع الطاقة....
وقال حسن حافظ الناطق الرسمي السابق لمنظمة أوبك لـ “الزوراء”: ان حقل الخشم الأحمر من الحقول المهمة جداً، وحسب الدراسات الأولية التي أعلنتها وزارة النفط العراقية، فإن الحقل يمتلك إمكانيات كبيرة من الغاز. وقد مُنح عقد تطويره إلى شركة نفط الهلال . هذا الحقل يعد كبيراً جداً ويحتاج إلى جهود كبيرة لاستخراج الغاز منه.
واضاف ان الشركة أعلنت مؤخراً عن استكمال المرحلة الأولى من الاستكشافات الزلزالية ثلاثية الأبعاد. وبعد الانتهاء من هذه المرحلة، من المتوقع أن تبدأ عملية حفر الآبار قبل نهاية العام الجاري. وستُحدد المواقع التي سيتم فيها إنشاء المنشآت الخاصة بإنتاج ومعالجة الغاز.
وتابع انه وفقاً للاتفاق، فإن الحقل سيبدأ في مرحلته الأولى بإنتاج 400 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً. هذا رقم مهم جداً، وسيغطي جزءاً كبيراً من حاجة محطات توليد الطاقة الكهربائية، خاصة في ظل توقف استيراد الغاز الإيراني بعد قرار الولايات المتحدة بعدم التمديد للعراق.
واشار الى ان هذا الإنتاج يمكن أن يزود العراق بحوالي 7000 ميغاواط من الطاقة الكهربائية. المشروع سيكون بالغ الأهمية، خاصة لمحطات الكهرباء في منطقة المنصورية، التي ستستفيد منه بشكل مباشر. ولهذا السبب أُطلق على هذا المشروع اسم المشروع المعجل من قبل رئاسة الوزراء ووزارة النفط، لأنه يجب أن يبدأ بالإنتاج خلال سنة، أو على أبعد تقدير سنة ونصف من الآن.
من جانبه ذكر مهند العمري الباحث والأكاديمي المتخصص في شؤون الطاقة لـ “الزوراء”: ان العراق بدأ يسير في خطوات واضحة تجاه تحقيق الاستقلال الطاقي. ولكن دعنا نكن صريحين: نحن تأخرنا كثيراً. التأخير في استثمار الغاز كلف العراق خسائر فادحة. المشاريع التي تتحدث عنها الآن لا تتجاوز تكلفتها المليار دولار، لكنها قادرة على توفير ما يقارب 4 مليارات دولار سنوياً. هذا رقم مهول بكل المقاييس.
واضاف ان الموضوع لا يتعلق فقط بتوفير المال، بل ببناء سيادة واستقلال سياسي حقيقي، لأن الغاز الطبيعي أساس لتوليد الطاقة، والطاقة هي عصب الحياة لكل القطاعات، الصناعية، الزراعية، الخدمية.
واشار الى ان مشروع خشم الأحمر سيوفر ما بين 30 إلى 50 % من الحاجة الفعلية للعراق من الغاز الجاف، وهو النوع الذي نحتاجه تحديداً لتوليد الكهرباء. ومع هذا المشروع، ستتطور أيضاً البنى التحتية لنقل وتخزين الغاز، وكذلك محطات التحويل.
وتابع: لدينا حقل الحلفاية الذي ينتج حالياً 300 مليون متر مكعب يومياً. وكذلك حقل السيبه و خور مور ، وهذه الحقول ترفد الشبكة العراقية بالغاز الطبيعي. لكن نحتاج للتمييز بين الغاز المصاحب والغاز غير المصاحب. في مشروع خشم الأحمر ، نتحدث عن غاز غير مصاحب أي أنه لا ينتج من عملية استخراج النفط، بل يُستخرج مستقلاً، وهذا يزيد من أهميته.
وبين ان شركة توتال الفرنسية قطعت شوطاً مهماً في حقل الحلفاية ، وهي من أفضل ثلاث شركات في العالم، تحتل المرتبة الثالثة أو الرابعة عالمياً، وكذلك إكسون موبيل . إذا استثمرنا بشكل صحيح، يمكن لهذه المشاريع أن تعيد للعراق مكانته في قطاع الطاقة.
واكد ان الفائدة من هذا المشروع متعددة الأوجه. أولاً، سيتم توفير وظائف كبيرة للعراقيين، لأن العقد ينص على أن تكون نسبة التوظيف المحلي 90 %. هذا يعني تدريب أيدٍ عاملة محلية، واستقدام خبرات، وبناء قاعدة معرفية محلية، إضافة لهذا سيؤدي المشروع إلى تطوير البنى التحتية من طرق وجسور ومرافق عامة. كما سيتم إنشاء مستودعات ومحطات كهربائية مرتبطة بالمشروع. وسينتج عن ذلك حركة اقتصادية قوية في محافظة ديالى والمناطق المجاورة.
واكمل: وليس هذا فحسب بل سيوفر المشروع سيوفر بيئة تشجع على الاستثمار الأجنبي في حقول أخرى. وللعلم، العراق يمتلك 1.6 % من الاحتياطي العالمي للغاز، لكنه لا يستثمر سوى 0.7 بالألف بالمائة فقط من هذا المخزون، وهذه كارثة بكل معنى الكلمة.
وحول الجانب الأمني وتامين المشروع امنيا أكد محمد ياسين حسن مدير عام شركة نفط الوسط في حديث لـ»الزوراء»، انه تم تامين المشروع امنيا بشكل كامل بواسطة شرطة الطاقة ( اللواء الرابع ) وكل القوات منتشرة في حقل الخشم الأحمر وجميع الجهات التابعة إلى الشركة أبدت تعاونها مع القوات لنصب الأبراج وحماية الأبراج وكل الأمور على وشك الانتهاء والوضع الأمني جيد جدا والقوات إن شاء الله ماسكة الأرض والجهات الأمنية في طور تامين المنطقة بالكامل وهي إن شاء الله أمينة نتأمل من إخواننا في شركه هلال التفاعل الأكثر لغرض انجاز الأعمال الموكل إليهم لمسك الارض ولا يوجد شك نهائيا بدعم ودور القوات الأمنية بكافه المستويات .
وفي وقت سابق، أعلنت شركة نفط الهلال، عن استكمال المرحلة الأولى من أعمال الاستكشاف الزلزالي ثلاثي الأبعاد في رقعة خشم الأحمر بمحافظة ديالى.
وذكر بيان للشركة، أنه «تم استكمال المرحلة الأولى من أعمال الاستكشاف الزلزالي ثلاثي الأبعاد في رقعة خشم الأحمر بمحافظة ديالى العراقية، في خطوة محورية تمهد للبدء بحفر آبار تقييمية وتوسيع الدراسات الزلزالية لتشمل الحقل بأكمله».
وأضاف البيان، أن «هذا الإنجاز يعد مرحلة أساسية في تطوير موارد الغاز غير المصاحب في الحقل، ما يسهم في دعم جهود العراق نحو تحقيق استقلاله في مجال الطاقة، وتحسين خدمات الكهرباء، وخلق آلاف فرص العمل في محافظة ديالى والمناطق المجاورة».
وأشار إلى، أنه «تم تنفيذ المسح الزلزالي وفق الجدول الزمني والميزانية المحددين، باستخدام أحدث تقنيات المسح الزلزالي العقدية، ما أتاح الحصول على بيانات دقيقة عن مكامن الحقل، وتحديد مواقع الآبار التقييمية، ومن المتوقع أن تبدأ أعمال الحفر خلال العام الجاري، بعد منح عقود خدمات الحفر الشاملة».
وفي هذا الإطار، قال رئيس فرع نفط الهلال في العراق والمدير المنتدب في ديالى والبصرة، عبد الله القاضي: «بلغنا هذه المرحلة المفصلية من المشروع ضمن الفترة والميزانية المحددتين»، مؤكداً «عزم نفط الهلال والتزامها بالمضي قدماً في تطوير الحقول العراقية، بما يخدم الاقتصاد الوطني ويدعم الحكومة في تحسين خدماتها للمواطنين».
وأضاف: «نفط الهلال شركة رائدة في تطوير موارد الغاز الطبيعي على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسنستثمر خبرتنا الممتدة لأكثر من خمسة عقود لتنفيذ هذا المشروع الحيوي وتحقيق القيمة للمجتمعات المحلية والشركاء كافة».
ولفت إلى، أن «الاستثمارات الأولية في المرحلة المقبلة من المشروع تقدر بين 200 و250 مليون دولار، وتشمل تطوير البنية التحتية اللازمة لتحقيق الإنتاج التجاري الأول، وفي حال تأكيد الموارد الهيدروكربونية المتوقعة، سيشهد المشروع ضخ استثمارات إضافية قد تتجاوز المليار دولار، لإنشاء منشأة معالجة مركزية وبنية تحتية لإنتاج نحو 400 مليون قدم مكعب قياسي من الغاز يومياً، و80 ألف برميل يومياً من المتكثفات».
يُذكر أن نفط الهلال وقّعت في عام 2023 عقدين لمدة عشرين عاماً مع شركة نفط الوسط لتطوير حقلي خشم الأحمر-إنجانة وكلبات-قمر في ديالى، إلى جانب عقد استكشاف لحقل خضر الماي في البصرة بالتعاون مع شركة نفط البصرة. وقد تم تفعيل هذه العقود من قبل وزارة النفط بين تشرين الأول وكانون الأول 2023، مما أتاح تسريع وتيرة الأعمال.
وتخطط الشركة للوصول بنسبة التوظيف المحلي في مشاريعها داخل العراق إلى 90 %، كما ستنفذ سلسلة مبادرات اجتماعية في مجالات التعليم والتدريب والخدمات الاجتماعية في ديالى والمناطق المحيطة، تعزيزاً لدورها التنموي في المجتمعات المضيفة.
ويُشار إلى أن نفط الهلال حصلت على منطقة عقد خشم الأحمر-إنجانة ضمن جولة التراخيص الخامسة في عام 2018، ووقعت عقد تطوير وإنتاج مع شركة نفط الوسط في شياط 2023، دخل حيز التنفيذ في تشرين الأول من العام نفسه.
وخشم الأحمر ليس مجرد مشروع غاز، بل هو مشروع وطني بامتياز، يمهد لمرحلة جديدة من الاكتفاء الذاتي، والنهوض الصناعي، والاستقلال السياسي. ولأول مرة منذ عقود، يبدو أن العراق يسير في طريق لم يُرسم له من الخارج، بل انطلق من أعماق صخوره العراق يسابق الزمن لتأمين الغاز وضمان استدامة الكهرباء وليس جديدا اذا قلنا ان ملف الكهرباء يُعد من أبرز التحديات التي تواجه العراق في الوقت الراهن، إذ تعمل الحكومة جاهدة على إيجاد حلول جذرية ومستدامة لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري التقليدي، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الأحمال على الشبكة الوطنية.
وفي صلب هذه الجهود، يبرز الغاز الطبيعي بوصفه المادة الأساسية لتشغيل محطات توليد الكهرباء، ما يجعل تأمين إمداداته أولوية قصوى لضمان استمرارية إنتاج الطاقة. ومن هذا المنطلق، سبق ان وقّع العراق اتفاقاً مهماً مع تركمانستان لاستيراد الغاز الطبيعي، في خطوة تهدف إلى سد النقص الحاصل في هذا المجال، وتوفير بدائل موثوقة للغاز المستورد من دول الجوار التي تواجه إمداداتها أحياناً عراقيل فنية أو سياسية.
ويمثل هذا الاتفاق جزءاً من إستراتيجية أوسع تتبناها الحكومة العراقية، تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاستقلالية في هذا القطاع الحيوي. ويُعد تقليل الاعتماد على مصدر واحد للغاز خطوة إستراتيجية تعزز من أمن الطاقة في البلاد.
وفي السياق ذاته، تواصل الحكومة تعزيز الاستثمارات المحلية في قطاع الغاز، مع تركيز خاص على تطوير الحقول الوطنية، والاستفادة من الغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط، والذي كان يُهدر في السابق دون استغلال حقيقي. وتعمل الجهات المعنية على تنفيذ مشاريع لالتقاط هذا الغاز وتحويله إلى مصدر فعّال للطاقة، ما يسهم في تقليل الهدر وتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد الوطنية.
ورغم هذه الجهود الكبيرة، يبقى التحدي الأكبر متمثلاً في التنفيذ الفعلي لهذه الخطط على أرض الواقع.
وتحقيق نتائج ملموسة تنعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين من خلال تحسين خدمة الكهرباء وتقليل فترات الانقطاع المستمر.وتؤكد الحكومة أن توفير طاقة مستدامة لا يخدم فقط الجانب الخدمي، بل يشكل دعامة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويعزز من قدرة العراق على بناء اقتصاد قوي ومستقر يعتمد على تنويع مصادر الطاقة واستغلالها بكفاءة.تحية لكل جهد يبذل لخدمة العراق وشعبه وما خطوات الاعتماد الذاتي على الغاز العراقي المحلي الا خطوة جبارة لبنا مستقبل زاهر للطاقة وما ستوفره الطاقة من تشغيل دائم لجميع البنى التحتية التي يعتمدها العراق في حياته ومستقبل أجياله.