دائما نسمع قصص وأساطير عن بحر جف بفعل عوامل خفية في منطقة الفرات الاوسط العراقية .
وكنت احلم بدافع الفضول والحماسة الصحفية الذهاب الى صحراء النجف الاشرف مدينة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) للاطلاع واستكشاف آثار وبقايا بحر النجف.
بعد الوصول كان لابد لنا من اداء مراسم الزيارة ثم التجول في شوارع المدينة وعبور مقبرة وادي السلام لنتوجه صوب موقع البحر هناك .
والحقيقة ان بحر النجف من اكثر المواقع الغامضة والمثيرة للاهتمام في العراق ، حيكت حوله الكثير من الحكايات والاساطير والقصص .
يقال انه كان بحراً تأريخياً متلاطم الامواج يبتلع معظم الصحراء الغربية ويتصل بالخليج والبحر العربي جنوبا بينما يصل الى مشارف مدينة بغداد القديمة .
ويقال إن بحر النجف هو ذاته ذلك البحر الذي ذكر في حكايات السندباد البحري والف ليلة وليلة، إذ كانت السفن تنطلق من بغداد لتمخر عباب البحار والمحيطات. أطلقت على بحر النجف تسميات كثيرة .. فقد عرف عند الآراميين باسم (فَرْشا) وتعني بلغتهم موضع انبثاق الماء ، بينما ذُكر في التوراة باسم بحر (حاشير) اي المياه المجتمعة من اصل واحد. أما في عهد الساسانيين فقد اطلق على بحر النجف اسم الجوف،وكان يعرف في عهد الاسكندر المقدوني ببحيرة واهوار رومية.
العصر القديم
ويقال ان سكان الجزيرة العربية في عصر ما قبل الإسلام عرفوه ببحر بانقيا كما ورد ذلك على لسان الشاعر العربي (ميمون بن قيس)، إذ قال: فما نيلُ مصر إذا تسامى عبابه ولا بحر بانقيا إذا راح مفعما.
وجاء ذكر بحر النجف في مؤلفات المؤرخين العرب القدامى، ومن ذلك ما ذكره المؤرخ اليعقوبي في تاريخ البلدان، إذ قال: ان النجف كانت على ساحل بحر الملح0 أما الطبري فقد اورد في كتابه (تاريخ الرسل والملوك) ما نصه : (واقبل المختار حتى انتهى الى بحر البحيرة يوم الجمعة فاغتسل فيه) .
وبقي بحر النجف سنوات طوال يمثل طريقا لوصول سفن الزائرين من انحاء وبلدان متفرقة سعياً لزيارة مرقد الامام علي عليه السلام.
وبدا ان مياه البحر لم تكن من مصدر واحد فبعضهم قال إن هذا البحر كان يغذيه نهر الفرات السريع الجريان لا سيما مواسم الامطار والفيضانات ، وقيل ان هناك الكثير من العيون والينابيع والواحات كانت تمد البحر بالمياه ايضا .
وهذا ما أكده المؤرخ المسعودي في كتابه (مروج الذهب)، وذكر ان سفن الصين والهند كانت تنقل البضائع التي ترد الى ملوك الحيرة القريبة من النجف .
وهناك اقوال شائعة تؤكد أن بحراً قديماً كان يعرف باسم بحر (الني) فلما جف قيل وتردد عند العوام ان (الني جف) ومع مرور الزمن سقطت الياء تخفيفاً فصارت (النجف)، ولو ان هناك من يؤكد ان هذا القول يفتقر الى الادلة العلمية والمنطقية.
غير أن انحسار المياه كشف عن وجود مغارات كثيرة سميت بالطارات وهي تحمل أسراراً تنتظر من يكشف النقاب عنها. وقد جاء وصف النجف وبحرها عند الشعراء العرب كثيراً من ذلك ما قاله احدهم:
يا راكب العيس لا تعجل بنا وقف
نحيي داراً لسعدى ثم ننصرف
لم ينزل الناس من سهل ولا جبل
أصْفى هواء ولا أعذب من النجفِ
خفت ببرّ وبحر من جوانبها
فالبرُّ في طرفٍ والبحر في طرفِ
محاولات تجفف البحر
وقيل ايضا ان محاولات تجفيف بحر النجف موغلة في القدم وكانت وراءه عوامل بشرية منها ما قام به الاسكندر الاكبر، إذ عمد الى قطع امدادات المياه عن بحر النجف للحصول على ارض زراعية، بينما قام احد الولاة العثمانيين عام 1887 بسد مجاري الانهار المغذية الى بحر النجف بالصخور الكبيرة حتى سميت منطقة القطع باسم ابو صخير.
ووصف الرحالة الأجانب وعلماء الآثار الذين زاروا العراق بحر النجف بشكل مسهب ومنهم مستر بارلو الذي زار المنطقة عام 1889م ثم الرحالة البرتغالي كاسير الذي زارها عام 1902 ، ووصف الاثنان بحر النجف، وأكدا ان النهر المسمى نهر الهندية يجري في الجهة اليمنى من الفرات وهو يحمل نصف مياه الفرات، ثم يصل الى مدينة النجف فيصب هناك في بحيرة تسمى (بحر النجف) فيها المياه التي تأخذ ملوحتها من المعادن الارضية ما يجعل طعم المياه قريبا من مياه البحار.
معلم سياحي
أخيرا لا بد من القول إن بحر النجف يمثل مشروعاً سياحياً واعداً إذا ما وجد الاهتمام والرعاية لا سيما أن النجف تعد مقصداً للسياحة الدينية على مدار السنة، ولا ضير ان يجد الزائر وابن النجف على حد سواء متنفساً ومعلماً جميلاً يشيع البهجة ويُسر الناظرين.