وصلت سفينة خليجي البصرة الى الميناء الاخير . حيث يلتقي اليوم في النهائي المنتخب العراقي وشقيقه العماني اللذين كانا قد تواجها في يوم الافتتاح فتعادلا اما اليوم فليس في الحساب تعادل , فلابد من فائز يحمل كأس البطولة ..وهذا – طبعا – في موازين اللعب وضوابط المسابقات والدورات اما في ميزان الاخوة الذي وضعته خليجي البصرة فالكل فائز حتى تلك المنتخبات التي غادرت وعادت الى اراضيها , انما هي اراض عربية واحدة وهذا ما رسخته خليجي البصرة فعلا ملموسا ظاهرا وليس كلمات تطلق في فضاء القنوات والمواقع .
لاول مرة تقام بطولة الخليج بهذا الزخم من التفاهم الاخوي , فلا معارك اعلامية ولا بالونات جس نبض تتفجر لاحقا أزمات , ولا مدرجات تناقر مدرجات , الدورة الخامسة والعشرين اي خليجي البصرة ارتقت بالبطولة الى مراتب غاية في الارتفاع , حبا وخلقا , ولن نبخس حق أحد اذا قلنا ان المستوى الفني للبطولة لم يكن مما يشد او يجذب , فالمتابعون جاءوا الى البصرة وهم متخمون بكل مالذ وطاب من فنون كرة القدم , اذ لم يمض على انقضاء شهر الفرح الكروي , شهر المونديال الذي عاشه العالم بتنظيم عربي قطري سوى ايام , فما الذي يمكن ان تقدمه المنتخبات في كأس الخليج وفيها من جاء بالصف الثاني ومنها من حضر بمجموعة شباب زجوا لإكتساب الخبرة وزيادة الصقل .
ولكن هذا المستوى الفني لم يؤثر على ان تكون خليجي البصرة الأفضل في تاريخ البطولة بشهادة النخبة وشهادة الشارع العربي الخليجي , وذلك لان البصرة المدينة احتضنت البطولة , والاحتضان ارقى من التنظيم , فالتنظيم تشوبه اخطاء ادارية تؤدي الى ازمات وجفوات بين الاشقاء , اما الاحتضان فينجز بهوية حضارية لا يمكن ان تتوفر في كل مدينة , من اجل هذا كادت القلوب تبلغ الحناجر قبل الافتتاح المبهر للبطولة في السادس من هذا الشهر , فالسؤال الحبيس في الصدور , كيف لمدينة جريحة نازفة منذ عقدين من الزمن ان تنظم بطولة يتفاخر أهلها انها عريقة وانها تعكس الهوية الخليجية , واين الخليج رفاهية وقدرات مادية من البصرة التي توارت خلف الجدران الكونكريتية للتاريخ المعاصر , تكفكف دمعا وتداوي جرحا وتحمل قلما وتحلم املا بغد يعيد للثغر العابس - مرغما - ابتسامته ؟
ولكن الحال بعد الافتتاح صار غير الحال , فهذه البصرة تقتحم الميدان بحكمة الحسن البصري وعلم الفراهيدي وعبقرية الجاحظ وابداع البريكان والسياب ومحمد خضير , فتقدم حفل افتتاح سلب الألباب سحرا, لتمضي ايام البطولة عرسا من أعراس المربد الذي وصف شارل بلات بضاعته , “ انها لاتقدر بثمن “. ..
بالهوية الحضارية التي لا يمكن لصروف الدهر مهما بلغت قسوتها ان تمحو حرفا منها او نفسا واحدا او مفردة سلوك , نهضت البصرة لتبهر الاشقاء حتى صارت نخبهم تطالب جادة ان يتوقف تدوير البطولة بين البلدان الخليجية وان تستقر في العراق , ففي كل ذرة من ترابه ذاكرة حضارة وقدرة ابداع وقدوة اشراق .
فاز العراق منذ اللحظة الأولى للافتتاح . ومع توالي أيام البطولة بويع العراق بطلا , اما على صعيد المستطيل الأخضر فانها مسألة لعب أولا وأخيرا , واللعب غير الجَد .