الزوراء/ ليث جواد :
زواج القاصرات لا يزال من المشاكل التي تؤرق الشارع العراقي بعد انتقاله من القرى والارياف الى المدن، مما دفع العديد من الاكاديميين ومنظمات المجتمع المدني والانسانية الى المطالبة بمنع هذا الزواج ومعاقبة من يرتكب هذه الافعال لخطورتها على المجتمع العراقي .
أحلام ضائعة
وعن هذا الموضوع تحدثت سندس رحيم/ 18 سنة من سكنة مدينة الحرية، عن تجربتها من زواج القاصرات لتقول: ”لقد قام اهلي بتزويجي وانا في سن 14 عاما حيث كان طموحي انذاك ان اصبح محامية واعيش حياتي مثلما اريد لكن اهلي قاموا بتزويجي من شخص اكبر مني بـ 15 سنة ولم اكن اعرفه مسبقا”.
واضافت انه “لم تكن لدي اي فكرة عن الزواج وكنت اتصور ان الزواج عبارة عن بدلة عرس ومكياج وغرفة خاصة بي لكن بعد الزواج اكتشفت الحقيقة لكن بعد فوات الاوان”، مبينة انه “في السنة الاولى كدت اخسر حياتي بسبب الحمل لكون عمري كان صغيرا جدا انذاك وبدأ عامل عدم الانسجام يظهر علينا بعد الاشهر الاولى وحاولنا الانفصال لكن الاهل رفضوا ذلك بحجة الفضيحة”.
واشارت الى انه “بعد مرور السنة الاولى وصلنا الى طريق مسدود، لذا قررنا الانفصال وعدت الى اهلي مع طفلي الصغير الذي اقوم حاليا برعايته بعدما عزفت عن فكرة الزواج نهائيا بسبب الذكريات السيئة التي عشتها من وراء هذه التجربة الفاشلة”.
أما رياض حسن/ 40 سنة من سكنة الزعفرانية، فقال لـ”الزوراء”: استغرب قيام بعض الاهل بتزويج بناتهم في اعمار صغيرة جدا بحجة ان الزوج سيقوم بالحفاظ عليها في مجتمعنا هذا لكن بعد مدة تعود لهم الفتاة مطلقة معها طفل او اكثر بسبب عدم التوافق او الانسجام او حتى تغيير المشاعر بين الطرفين”، مطالبا الاهالي بالعمل على دعم الفتيات على اكمال دراستهن بدلا من اجبارهن على الزواج في سن مبكر وقتل طموحهن او هروبهن ازواجهن بعد مدة من الزواج ومن ثم تتعرض الى القتل وتجلب العار لذويها والسبب هو الاهل في هذه المشكلة“.
مشروع فاشل
بدورها، قالت رئيسة مؤسسة الرعد الانسانية غيداء الدوري لـ”الزوراء” ان “زواج القاصرات هو مشروع فاشل وفيه خسارة اكثر من ربح فضلا عن كون فيه ظلم للفتاة اكثر من الولد لان الفتاة تكون صغيرة من خلال اجبارها على الزوج من شاب بعمرها او اكبر منها بضعف عمرها”.
ونوهت الى ان” المنظمات الانسانية والمجتمع المدني تعتبر هذا الزواج فاشلا وعبرنا عن رفضنا له في اكثر من مناسبة وطالبنا بإيقافه لانه يضر بالمجتمع”.
واوضحت انه” نطالب من الاهل الانتباه لبناتهم وعدم ظلمهم بهذا الزواج بحجة الحفاظ عليهن وانما نأمل منهم دعمهن من خلال اكمال دراستهن لذا قمنا كمنظمات بتثقيف الاهل والعوائل من خلال ادخالهم بدورات تثقيفية عن طريق الاعلانات او البوسترات او الافلام القصيرة عن خطورة هذا زواج”.
آثار نفسية
فيما قالت الاستاذة في جامعة ديالى كلية التربية الاساسية ا.م.د جنان صالح محمد لـ”الزوراء”: ان” لهذا الزواج آثارا عدة منها اثار نفسية على الفتاة بسبب حرمانها من التعليم وكذلك حرمانها من اهم مرحلة في حياتها وهي (الطفولة والمراهقة) والتي فيها تبنى شخصيتها المستقبلية”.
واضافت ان “هذا الزواج سوف تكثر فيه الخلافات الزوجية بسبب عدم نضوج احد اطرافه وبالتالي قد يقع الطلاق بينهما بسبب اتخاذ القرارات المتسرعة من كلا الطرفين فضلا عن ان زواج القاصرات يؤدي الى زيادة المشاكل الصحية وخاصة في الحمل الذي يؤدي الى الاجهاض بسبب عدم تحمل الفتاة القاصر الحمل لانها في سن مبكر”.
واوضحت محمد ان “بعض العوائل تعاني من مستوى اقتصادي منخفض وفقر مدقع وهذا يدفعهم الى تزويج بناتهم في سن مبكر للتخلص من مسؤوليتهن والاخر بسبب العادات والتقاليد التي تقتضي زواج الفتيات بالطريق التقليدية السائدة في بعض المجتمعات العراقية”.
وبينت انه” للحد من هذه الظاهرة الاجتماعية التي تعد كارثة لما لها من اضرار نفسية واجتماعية واقتصادية من خلال توعية الاباء والامهات عن طريق الندوات وعن طريق وسائل الاعلام كالتلفزيون والراديو وكذلك توعية الفتيات في المدارس والجامعات والمعاهد بهذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة”.
زواج الاطفال
فيما ذكر الباحث النفسي وأستاذ علم النفس بجامعة بغداد احمد الذهبي ان” الزواج المبكر (زواج الأطفال تحت 18 عامًا) يعد انتهاكا لحقوق الإنسان، إذ يؤثر في الفتيات واسرهن ومجتمعاتهن بطرق مختلفة، ويحرم الفتاة من مستقبل تستطيع تحقيق أحلامها فيه ويقوي دائرة القمع ويحدد مستوى التعليم لانه إذا كانت الفتاة أكثر تعليمًا قل احتمال زواجها المبكرً”. لافتا الى ان “الزواج المبكر يمنع الفتاة من الحصول على تعليم جيد بسبب قيود المجتمع عليها بعد الزواج”.
واضاف “ تظهر الآثار النفسية للزواج المبكر على الفتاة نتيجة فقدانها حنان ورعاية الوالدين وفرصة العيش والاستمتاع بمرحلة الطفولة حيث تتعدّد المسؤوليات في الحياة الزوجية مما يؤدّي إلى تعرضها للضغط لعدم تفهمها طبيعة العلاقة الزوجية فتظهر عليها بعض الآثار lلنفسيّة مثل الاحباط والعقد النفسية كاضطرابات في العلاقة الزوجية نتيجة الخوف وقد تحتاج إلى تدخل طبي في بعض lلحالات. وتابع: انه قد تظهر على الزوجة أعراض الاكتئاب والقلق نتيجة كثرة المشاكل الزوجية الناتجة عن عدم تفهم الطرف المقابل، وقد تظهر بعض الاضطرابات الشخصية وصور من الهستيريا والفصام كما تزداد احتمالية الإصابة بالأمراض النفسية أثناء فترت الحمل، حيث تزداد متطلبات lلحياة على كاهل الزوجة لوجود طفل بالإضافة إلى متطلبات الزوج والأقارب”.
ويرى الذهبي ان “الحلول المناسبة لهذه المشكلة تكمن بما يلي منها سن قوانين تمنع زواج القاصرات ودعم تعليم الفتيات اضافة الى تطبيق برامج التوعية المجتمعية التي يحتاجها المجتمع لتغيير بعض عاداته وتقاليده المتوارثة فضلا عن تأمين متطلبات الحياة الكريمة ويتم ذلك عن طريق السعي المستمر في تمكين المرأة سواء في المجال التعليمي أو المهني”.
جريمة بحق الطفولة
فيما تقول الباحثة الاجتماعية سمر نور محمد لـ”الزوراء”: ان” اغلب زواج القاصرات ينتهي بالفشل وذلك لعدم ادراكهم ماهية الحياة الزوجية ومسؤولياتها وعدم قدرتهم على تحمل المسؤولية العائلية وبالتالي ينتهي هذا الزواج بالطلاق” .
واكدت انه “من اكبر الجرائم التي تُرتكب بحق الطفولة هو تزويج الفتيات بهذا العمر وحرمانهن من ممارسة طفولتهن أسوة بأقرانهن من الفتيات لان هذه المرحلة السنية هي من اهم المراحل في حياة الفتاة لانه لكل مرحلة عمرية العاب وحياة خاصة بهم”. واضافت ان” بعض العوائل تحاول بهذا الزواج التخلص من مسؤولية البنت او بسبب الفقر او الجهل وبالتالي تكون الفتاة هي الضحية في هذا الزواج”.
وتابعت ان” العمر المناسب للزواج بالنسبة للفتاة هو بعد انتهائها من المرحلة الجامعية، لماذا لعدة اسباب منها تسلحها بالشهادة الجامعية التي تستطيع من خلالها الاعتماد على نفسها اضافة الى تحررها اقتصادياً وتكون عوناً لزوجها لكي يعيشوا برفاهية وخاصة ان بلدنا يمر بظروف اقتصادية صعبة جدا وكذلك يكون لديها الوعي الكافي لاختيار الزوج المناسب وايضاً باستطاعتها تحمل مسؤولية الزوج والاطفال وبناء اسرة متكاملة متكافئة” .
مؤشر خطير
من جانبه، ذكر المحامي حمزة العربي لـ “الزوراء” ان ”زواج القاصرات كان في السابق شائعا في المحافظات التي تكون ذات طابع ريفي اي في القرى والارياف، أما اليوم فقد انتقل الى العاصمة، وهذا مؤشر خطير بحاجة الى وقفة جادة من قبل المعنيين بهذا الامر لان له تداعيات على المجتمع”.
واضاف انه “بعد 2014 واثناء اجتياح عصابات داعش لبعض المحافظات وحدوث النزوح بدأت العديد من العوائل بتزويج بناتهم القاصرات بمرحلة 10 سنوات للحفاظ عليهن وهذا خطأ كبير لان مصير معظم هذه الزيجات يكون الطلاق اما بسبب عدم النضوج او الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل”.
واشار العربي الى انه “من حق القاصر قانونا طلب التفريق إذا تم العقد دون موافقتها او دون اذن من القاضي من خلال ابرام عقد خارج المحكمة بما يعرف (عقد رجل الدين) وتقيم دعوى تفريق وهذا حق كفله لها القانون”، واصفا “ زواج القاصرات بأنه جهل لانه لو كان قطاع التعليم ناجحا فسوف تفكر الفتاة بأن تكمل دراستها ومن ثم تفكر بالزواج وهي من تختار شريك حياتها، أما إذا فقدنا اهم ركن في الحياة وهو التعليم فهذه طامة كبرى”.
ويقول قاضي الأحوال الشخصية ناصر عمران في تصريح صحفي إن “قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل وفي المادة (3/1) عرف الزواج بأنه عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايته إنشاء رابطة الحياة المشتركة والنسل” .
وأضاف عمران أن “العقد اشترط (الاهلية) في الزواج والتي بينتها المادة (السابعة) بالعقل وإكمال الثامنة عشرة”، لافتا إلى ان “القاصر هو الشخص الذي لم يكمل الثامنة عشرة من العمر فالأصل إن الأهلية الخاصة بالزواج غير متحققة عمرياً للقاصر”.
واوضح عمران ان” فقرات القانون اعتبرت سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج والذي يعني أن طرفي عقد الزواج هما من المتمتعين بالأهلية مع تمام العقل وهي الشروط العامة في العقد، لكن قانون الأحوال الشخصية وضع استثناءات للشروط العمرية فقد منح القاضي صلاحيات جوازية لمن أكمل الخامسة عشر من العمر وقدم طلبا بالزواج بشروط معينة منها تقديم الطلب وأهليته وقابليته البدنية والتي تتحقق من خلال التقارير الطبية وموافقة الولي الشرعي لمقدم الطلب القاصر”. وتابع انه “في حالة امتناع الولي لأسباب غير جديرة بالامتناع أجاز القانون للقاضي ان يأذن بالزواج للقاصر إذا بلغ الخامسة عشرة من العمر مقترنا بالقابلية البدنية والبلوغ الشرعي، وان تكون هناك ضرورة قصوى اقتضت الطلب”.ويلفت عمران إلى ان “حدود زواج القاصر مرهونة بظرفيتها المكانية والزمانية التي استقتها اللجنة المشرعة للقانون الذي راعى ايضا القصور العقلي فقد نصت المادة السابعة/ 2 على انه للقاضي أن يأذن بزواج أحد الزوجين المريض عقلياً إذا ثبت بتقرير على أن زواجه لا يضر بالمجتمع، وأنه في مصلحته الشخصية إذا قبل الزوج الآخر بالزواج قبولاً صريحاً، كما ان قانون رعاية القاصرين رقم (78) لسنة 1980 قد اورد في المادة 3/ أولاً/ أ : يعتبر من أكمل الخامسة عشرة وتزوج بإذن من المحكمة كامل الأهلية”.
ويرى القاضي أن “مرحلة زمنية من التطبيق القانون الأحوال الشخصية تؤكد أنها عالجت الكثير من الأوضاع القانونية للعلاقات الزوجية وسعت الى تنظيمها ضمن إطار التدوين في السجلات الرسمية والعمل على تنبيه المجتمع بخطورة الزواج العرفي للقاصرين بالإضافة الى وضع مادة عقابية للزيجات التي تنظم خارج المحكمة”.
ويضيف أن “وضع صيغ قانونية لتأطير العلاقات الاجتماعية والدخول اليها من باب الاستثناءات لا يعني أن القانون يشجع زواج القاصرين بقدر ما يحاول معالجة حالة اجتماعية معالجة قانونية تنظيمية وبشروط لا تتجاوز الشروط البدنية والصحية مع منح القرار الأخير لسلطة القضاء وان الموقف القانوني لزواج القاصر محكوم بمنظومة اجتماعية مرت بمراحل زمنية طويلة فما كان مقبولا سابقا ابان التشريع لا يكون مقبولا بعد هذه المرحلة الطويلة كون المسألة تتعلق بأمزجة الناس ورؤاهم ورؤيته الجديدة في زمن التقنيات والالكترونيات”.
تقرير أممي
فيما كشف تقرير أممي عن ارتفاع كبير بنسب الزواج المبكر للفتيات في العراق، محذراً من التأثيرات السلبية المترتبة على ذلك.
وذكر بيان لصندوق الأمم المتحدة للسكان إنه “بحسب نتائج المسح الوطني الاجتماعي والصحي المتكامل للمرأة العراقية الذي تم تنفيذه بالشراكة مع الجهاز المركزي للإحصاء وهيئة إحصاء إقليم كردستان، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان - مكتب العراق للعام 2021، بلغت نسبة النساء اللواتي تزوجن قبل بلوغهن سن 18 عاماً في العراق 25.5%، بينما أظهرت نتائج المسح أنّ النسبة لنفس المؤشر في إقليم كردستان 22.6% من نسب الزواج”. وأضاف أنه “لوحظ أخيراً ازدياد ظاهرة الزواج المبكر بشكل كبير في غضون السنوات العشر الماضية، وفي أحيان كثيرة تؤدي هذه الممارسة إلى حرمان الفتيات والنساء من الوصول لعوامل التمكين، وقد تضيف عبئاً وعقبات أمام تعليمها وتنميتها”. وتابع ان “الاستثناءات الواردة في القانون والمتعلقة بزواج القاصر قد تكون منتقدة من القوى المدنية إلا اننا وبموضوعية لا يمكن وضعها في دائرة النقد بعيدا عن اسبابها الموجبة والتي جاءت في القانون النافذ لمعالجة وضع اجتماعي ولمصلحة القاصر وبخاصة الأنثى”. مبينا “أما ان يتم تجاوز المرحلة العمرية والتقسيم التنظيمي والقانوني للزواج عبر تشريع جديد فهو أمر يثير مشكلا قانونيا واجتماعيا وبخاصة ان هناك مشاكل اجتماعية قانونية يسعى المجتمع جاهدا لمعالجتها تتمثل بازدياد حالات الطلاق والتفريق وما ينتج عنه من شرخ في النسيج الاجتماعي والمعالجة اولاً اجتماعية توعوية وثقافية واقتصادية وبناء بيئة اجتماعية مثقفة تعيش وضعا اقتصاديا اقل ما يقال عنه انه مقبول نستطيع بعد ذلك مناقشة تشريع قانوني يلغي الاستثناءات الواردة في زواج القاصرين. ويؤكد ان “زواج القصر يشمل الجنسين سواء ذكرا أو انثى هو شخص يعيش مرحلة عمرية لها استحقاقاتها الحياتية والتي لا نرى ان منها استحقاق الزواج “.