الزوراء / خاص :
أتمعن في قلم الشاعر نعيم الصياد فيرجعني الى زمن قصيدة التوقيعة للشاعر عز الدين المناصرة من حيث التركيز والتكثيف وصياغة الومضة الشعرية رغم التشابك بين قصيدة الومضة وبين الاجناس الأخرى ( قصة الومضة او السوناتات )
( لأن القبور
أصبحت جماعية وبلا عناوين
صار العالم
يحتفي بالجندي المجهول ) ص67
قصائد الشاعر نعيم الصياد تتمتع بإيقاعات داخلية تترعرع داخل رحم خصب ولود تأخذ صفات عافيتها من خلال حركة نامية ومتوترة حاضنة للدال والمدلول والدلالة ، وحاملة معها رمزية عالية بعيدة عن دهاليز الطلاسم والفوازير ففي قصيدته لقاء ، يقول :
( أبحرت بعينيها
اكتملت ثنائية الجنون
شاعر ..
وبحر .. ) ص 14
لمحة سريعة تحتضن بريقا وجدانيا ، واستفزازا للتساؤل في فضاء اللغة التي لا يعرف الوعورة والترهل ، ولا تقترب من مطرزات البلاغة على حساب قوة الومضة الشعرية ، فالقصيدة لديه قائمة على ثنائية التعادل بين المبنى والمعنى ، فلا أحد يأكل من جرف الآخر ، فهي لا تعرف الاسراف في المنظمة اللغوية والشرارة التي تحملها لا تصلنا عارية وإنما متوهجة من خلال جلوسها على عرش المبنى مكونة بنية النص الحامل تأثيره الفاعل في وجدان المتلقي .
صعلوك
( صعلوك ..
رفع يده في حقل عباد الشمس
انحنت كل الزهور ) ص 22
الشاعر الصياد يصطاد المفردات لينسج بها ومن خلالها صورته الشعرية، تاركا للمتلقي احتمالات التأويل المتعددة من خلال ابعادها الرمزية والدلالية ، وليس بالضرورة ان يلتقي فهم القارئ الى الهدف الذي ينطلق منه الشاعر ، المهم هو قوة القصيدة الباعثة الحركة الدينامية التي تخلق بدورها الحركة التفاعلية لخلق رؤية واعية لرصد مولدات التحرك .
انتباه
( هي ان تقل انسانا
يجهل كل شيء عنه
تراه للمرة الأولى ..
والأخيرة ) ص23
ديوان الشاعر نعيم الصياد (أوراق من خريف التقاويم) تضمن قصائد ما يميزها اعتمادها على فن الحذف ، وصياغة متقنة للومضة ، وبنائها يقوم على الايجاز والايحاء والانزياح ، تحكمها الوحدة من منبعها وحتى مصبها ، وما يلاحظ على بعض قصائده انها تتمتع بأسلوب السرد والحداثة الشعرية واضحة من خلال التمعن في منظومتها اللغوية والتأمل في دلالاتها ، وتشكل معظم قصائده بريقا خاطفا يتسم بالوضوح رغم الرمزية العالية ، ويمكن اطلاق صفة ( القصيدة البرقية ) على معظم القصائد التي تضمنها الديوان.. مشهد ( شاعر ومطرب دخلا القاعة
المطرب..
سوره الجمهور بالتحايا والقبلات
والشاعر
ظلّ وحيدا يتفرج ) ص9
عندما نتحدث عن الادهاش والايجاز والتكثيف التي تتسم بها قصائد الديوان علينا أن نضع تأكيدنا في مكانه المناسب لغرض التمييز بين قصيدة الومضة وبين القصة القصيرة جدا ( قصة الومضة ) من خلال شعرية النص وليس من خلال المشتركات بين الجنسين .
انتصار ( أيها السجان
أرني وجهك ..
كي أشاهد
انتصاري ) ص22