رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
أسلوبية كسر النمطية في قصائد التراث الشعري لمجموعة (مطر أقلّده فأصحو) للشاعر ضياء الخاقاني


المشاهدات 1223
تاريخ الإضافة 2021/11/24 - 5:35 PM
آخر تحديث 2024/03/28 - 2:03 PM

د. مصعب مكي زبيبة
تعامل الشاعر (ضياء الخاقاني) مع التراث الشعري تعاملا حداثويا، أي أن شعره جاء بإطار وتركيب تراثي ألتزم بالعمود الشعري شكلا، ولكن معانيه غادرت الضمون التقليدي لتستقر ضمن التعامل الحداثوي للحدث، وهنا تسجل قصائده اكتنازا تراثيا (وزنا وقافية)، فضلا عن تجليها المستنير بروح العصر، المتوهجة بطاقة التفاعل الوجداني الحقيقي، وهذا الامر تجده في كل قصيدة عمودية من قصائد مجموعته الشعرية (مطرٌ أقلّده فأصحو)، ففي قصيدة (معطف للدخان) يقول:
على كل نهرٍ لي ضفافٌ قتيلةٌ
ومن كل ماضٍ في دمائي مخاوفُ
أبوح وجرحي ما له من نهايةٍ
وعن كل ما لا أدعي أنا عازف
وفي مستهل الوقت أرمي مكارمي
فماً باذخا يبتزُّها وهو عارف
لمن أضع النسيان من ذا أسدُّه
وتجربتي.. شريانها الثرُّ نازف
وإن فتى يلتف فيه دخانه
جدير بأن تبكي عليه المعاطفُ
الشاعر ضياء الخاقاني هنا لم يغادر الشكل الكلاسيكي للقصيدة العربية العمودية، ولكنه غادرها إلى التجديد في اللغة والاسلوب والمعاني المضيئة بالشواخص الإبداعية المتولدة من الهموم الواقعية غير المستعارة من الخارج أو المستهجنة من الآخرين أو المجترة من غير الحقيقي، أو المعبأة من الماضي غير المعيش، فهو يستل معانيه من آماله الداخلية وآلامه وجروحه وحكاياه وإرهاصاته غير الزائفة، وهو في كل ذلك لم يبالغ في إضفاء الصبغة السيريالية على قصائده بحيث تكون مظلمة باللغة الابهامية أو الطلسمية التي تصل عند بعض الشعراء إلى حد التهويم والخروج عن مديات الفهم والاستيعاب حتى لدى المتخصصين والنقاد.
فعندما يكون الجرح غير متناهٍ، وعندما يكون الادعاء الزائف هو السائد، وعندما يكون الابتزاز باذخ الاجرام، وعندما يكون الضياع نازف الشريان فلابد أن يكون لكل ضفة من ضفاف النهر قتيل، ولابد أن يكون لكل ماضٍ مخاوفه نازفة الدماء. 
هكذا يعبر هذا الجيل الصاعد من الشعراء عن همومه وهموم وطنه، تعبيرا حقيقيا يرتسم أسلوبيته الخاصة به، فالكلمات تكتب بدماء الشرايين وليس بحبر القلم، والحروف تضاء بالتجربة الحقيقية وليس بالاجترار والمعاد والسائد. 
ومن القصائد الأخرى التي كتبت بالطريقة نفسها أي الإطار التقليدي الموشح باللغة الحداثوية قصيدة (لوح العاشق) ص 61، التي يقول فيها:
أهواكِ يا حقلَ الوداعةِ فاعلمي
أنّ البلابل في حنانكِ ترتمي
لا الشوق لا التغريد يخبو لا أنا
أخبو وما عندي سوى حُرق الدم
فمكِ الوحيد أحس لوعة شوقه
آن الأوان فحاوري الاشهى فمي
ردي لطفل الشعر عذب سياقه 
ليشفَّ عن غزل الفؤاد المغرم
وتعلّمي شبقَ الحياة ووجدها
فإذا تفهمتِ الحياة تكوّمي 
أحلى الذي في الروح عشق غائبٌ
وارق ما فينا شباب متيمِ
القصيدة هنا وجدانية المنحى لا نعدم فيها كلمة الوجد الحقيقة من بينها: (لوعة شوقه)، (غزل الفؤاد المغرم)، (تعلَّمي شبق الحياة)، (عشق غائب)، (شباب متيم)، وجاءت القصيدة أكثر مباشرة، ربما هذه المباشرة فرضتها (شكلية القصيدة) وإرادة القافية الميمية، ولكنها مع ذلك تنضح بالأسلوب الفني التقني الأخاذ الذي يدلل على أننا بإزاء شاعر متمكن من أدواته وصنعته وتجربته، وهذا ما نلمسه بوضوح في تعابيره الغزلية (لا الشوق تخبو)، (حقل الوداعة)، (ارتماء البلابل في حنانكِ)، (محاورة الفم الأشهى)، (تعلم شبق الحياة)، (حلاوة العشق الغائب)، وكلها جاءت ضمن حقل البنية الاستعارية التي من دونها تصبح القصيدة جثة هامدة لا حراك فيها ولا روح.
ويقول الشاعر ضياء الخاقاني في ضمن الإطار الغزلي في قصيدة (جمرة الحب) ص 112.
يتألق التساؤل في الأفق
كالروح تنمو داخل العتق
كم يا حبيبي أدعي قلقا
وأنا ثمالة سلسل العشق
كيف الإحاطة بالسناء؟ ألم
أك زهرة في دوحة الرفق
يا من جمالك شدني ولعا
عن باطلي يا منتهى حقي
أنا من أكون وغايتي انغزلت 
في جمر حبك حيث استلقي
إنه غزل يستغور آفاق الحرية وينشدها (كالروح تنمو داخل العتق)، انه الغزل الملئ بالخوابي والأسرار والتساؤل: (يتألق التساؤل في الأفق)، لأنه غزل معجون بشهقة القلق، وأنفاس الخضل، وخشوع العشق، وثمالة الأبجدية، (وأنا ثمالة سلسل العشق)، إنه يقترح لغة غزلية جديدة ذات بصمة غير تقليدية يطرزها اشتغال الأبجدية الذي يضمر عشق المرأة المتجلبب بأثواب الثقافة والحرية والثورة والرفض، هكذا أراد أن يكون عشقه مختلفا، عشق لا تحجبه أستار التخلف والميوعة والإغراء، فالشاعر تغريه الكلمات لا العري والتهتك: (يا من جمالك شدني ولعا.. عن باطلي يا منتهى حقي)، هو غزل يؤنث الحقوق ويرفض الباطل، لتكون في أجمل صورة. 
هكذا نحتت كلماته الغزلية غزلا آخر، يتغيى حرية البلاد والنفوس والضمائر، فتمكن من إضافة بحر جديد لبحور الشعر التقليدية هو موسيقى الحب غير التقليدي المعبأ بدوالي العقل والحكمة ومسؤولية الكلمة. 


تابعنا على
تصميم وتطوير