رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
قراءة في المنجز السردي للقاص “هيثم الجاسم”.. مَديحُّ القصة .. كوة ضوء توسع ضيق العتمة


المشاهدات 1338
تاريخ الإضافة 2021/09/15 - 5:25 PM
آخر تحديث 2024/04/21 - 2:30 PM

عقيل هاشم
الكتابة ليست فقط وسيلة تدوين وتواصل مع الآخرين، وليست تقييدا للوقائع وليست معادلا للذاكرة، إنها أكبر من ذلك، وليست مجرد حلم بل هي أوسع لأنها عالم تتحقق فيه الأماني والطموحات، وفيها يبني الكاتب وطنا له خاصا به، عالما افتراضيا يوازي العالم الواقعي.
 فالكتابة لا تعادل الواقع ولا تغيره لأنها متعالية عليه، ومختلفة عنه، وإنما تنشئ عالما موازيا متخيلا يجمل الماضي ولا يتجاوزه، ولا ينتصر على قيوده فهو مجرد “خطاب فوقي” ذي بنية متعالية لا تقول “الحقيقة” إنما تقول حقيقتها هي والمختلفة عن الحقيقة الماثلة في الواقع وحياة الناس.
تظل تجربة القاص “هيثم الجاسم”-  من التجارب  المهمة في المشهد القصصي العراقي التي تزداد ثراء، وغنى،  و من أهم ما يميز هده التجربة- القصصية- حفاظها الدائم على البناء الدرامي المصنوع من مفردات ‘شرطنا الانساني’ الذي يمور بأسئلة الهوية، أسئلة الماضي والحاضر، أسئلة المفارقات اليومية والتي تمس المصير الانساني لهذا العصر ومظاهر العنف والاستلاب والتي تناسلت في مجتمعاتنا، والتي لم يجد الكاتب أمام أوضاعها المأساوية، سوى الرصد والتدوين..
في مجاميعه القصصية المميزة - ظل الكاتب مخلصا لأسلوبه في فضح وتعرية الأوجه الخفية لكل انواع السلطة “سياسية اجتماعية دينية”-  الكتابة كشف الوجه الظاهر، والخفي  للاستبداد بمختلف دلالاته .
هذه المجاميع ولأهميتها فقد اخذت نصيبا من البحوث والدراسات الجامعية ، بسبب تنوع في موضوعاتها، وأساليب الكتابة فيها  من مستويات السرد الفني والجمالي.
ولاشك أن تجربة ‘هيثم الجاسم ’ هي نتاج تجربة حياتية- وفكرية- غنية تفاعلت فيها محطات من هم الوطن - الانسان . وجعلها “ظاهرة” وسردها بتقنية السرد الحكائي للظاهرة، بلغة مسنونة، وضربات عنيفة أشبه بضربات فرشاة والحفر المعرفي والاستبطان الهادئ للعلاقات الانسانية، والانطلاق في تقشير أقنعتها المزيفة التي تحكم مختلف مسلكياتها في مختلف المجالات.  ورصد التحولات الاجتماعية والفكرية ، سرد نصوصه بلغة تقوم على التحليل العميق، من جهة، وعلى المزاوجة بين المحكي والموصوف، سواء تعلق الأمر بسرد الذاتي/ الموضوعي معا ..
المجاميع القصصية التي امامنا تمسّ الشغاف عاطفياً، وتستثير العقل فكرياً وتستعيد المعنى البكر لفن القص.. نصوص جديرة بأن تُروى وبأن يصغي إليها المتلقي بتعاطف ولهفة. وفيما تفيد  هذه الحكايا من تعدد المنظور في فن القصّ بذكاء،  فإنها نصوص متميزة سردها بإخلاص كلي لما يشعّ من غياهب الذات..  رسائل عديدة يحملها الكاتب للمجتمع، وتسلط الضوء على عذابات متوارية، كأنه يسعى إلى تفجير قنابل الألم . أن ما يهم الكاتب هو الإنسان وما يشعر به وما يفكر به وما يُقلقه، سرد مصائر مأسوية، تنوس  هموم الاخرين. أراد كاتبها، الذي عاش على مقربة منها بين التفاؤل والإحباط، وببحث دؤوب ليدونها وبأشكال كتابية موائمة، من  القص- الومضة والاقصوصة والقصة القصيرة جدا...وبإتقان العارف بصنعته .. مؤكداً أن القصة الحقيقة  تبدأ بالإنسان وتنتهي به، وبخلاصة القول الكاتب أراد أن يكون، مجدداً فيما يكتب ان كان في مجال الادب او في الصحافة والمزاجة بينهما ، كونه كاتبا مثقفا حين أعلن في مجاميعه القصصية  عن وحدة الأديب والمثقف، ذلك أن المثقف هو الذي يسائل أحوال قضيته  - الدفاع عن الانسانية والنصرة الى الاهداف الوطنية، وان يكون الكاتب المجدد والذي يثير أسئلة جديدة تهم الوجود .


تابعنا على
تصميم وتطوير