رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
(لك تفاصيل المطر) ... تشكل الواقع بقوة المتخيل وشساعة الواقع


المشاهدات 1244
تاريخ الإضافة 2019/01/07 - 5:22 PM
آخر تحديث 2025/05/31 - 10:04 PM

جبار الكوّاز المجموعة الشعرية (لك تفاصيل المطر) للشاعرة (ميادة المبارك) تضع القارئ المتابع أمام عتبات إبداعية منذ الغلاف الأول الذي يشي بسحرية المطر خاصة تتعاضد وعنوان المجموعة إلى الإهداء حيث يبدو الماء فيه شيئاً جديداً لتفاصيل الفقد الذي واجهته الشاعرة دون الإعلان عنه تصريحاً . يشكل العنوان هنا أساساً لسؤال ستجيب عليه نصوص المجموعة فا(الكاف) في لك تقودنا الفتحة فوقها إلى معرفة المخاطب الذي منحته الشاعرة تفاصيل المطر .. وتفاصيل المطر في العراق متناقضة الصفحات والأثر والتأثير ربما هي في اعتقادي تفاصيل حياة العراقية وهي تواجه الواقع الإشكالي الذي يحيطها وهي تعيشه في كل تفاصيله . فهل يشكل إهداء هذه التفاصيل لصاحب الضمير الكاف دعوة للمشاركة في مواجهة هذا الواقع ؟ لاسيما إذا استقرأنا الإهداء وما فيه من سيمياء الفقد دعماً لما قلنا ، سنكتشف لاحقاً ومن تفاصيل نصوص المطر أن تنقيبنا هذا فيه مصداقية كبيرة ولكن الشاعرة لجأت إلى آليات أخرى استعانت بها جمالياً وشعرياً لتشكيل تلك التفاصيل والدعوة لصاحب (الكاف) لغرف (سيمفونية عشق أبدي لتراب الوطن ... ) (الكاف) ومنذ العنوان فالإهداء وتقودنا إلى اكتشاف كنهها ودور المطر بقطبيه السلبي والإيجابي لحصول المبعث والخلاص الذي يعيشه الاثنان الشاعرة والآخر وبغض النظر عن المقدمة الجميلة التي صنعها الناقد (ناظم القريشي) سأتخذ لنفسي سبيلاً آخر أحاول فيه اكتشاف نمطية الضمير (الكاف) ودورة في الاحتفال بتفاصيل المطر ، بعيداً عن انعكاساته القبلية في ذهن المتلقي ولو انتقلنا سريعاً إلى الغلاف الأخير وما يحمله من نص جميل أرادت فيه الشاعرة اختصار رؤيتها الشعرية لما قالته في نصوصها نجد أن النص يشكل حلقة ما زالت أحداثها وشخوصها تستحكم آلية العمل الشعري في الكتاب تقول الشاعرة فيه . (لأنك تعزف بلا وتر وترتل من وقد حنانك تمتمات خافتة سأستعجلك لترقن قيد جنتي لبعض الوقت وأطالب ملائكتها الصالحة أن تستفز الرجوع لأقدام الأرض لتمزج معها ألوان طيف الشمس توحدها ببياض حكمتك كي تغزل لي خيوط القداح أثواباً بيضاء تتمايل غنجاً وأينما أتجه قرص الشمس) هذا النص الجميل لو واجهناه مع النص الأول في الكتاب (خافق العمر) الذي تقول في أوله : صف لي أنهار وجدك المأسور شوقاً على خلجان شوقي صف لي ؟ ! فأنا مازلت أتنفس مبتدأ طريقي معك استقي النبض من عسير أيام أدمنتها خوفاً عليك فالقلب جمر مواقد الذكرى الجاثمة على صدري لتاريخ ... نجد أن ما بين النصين كشف لهذه التفاصيل الحافلة بالحياة والموت اللذين يبعثهما المطر شاء الإنسان الترابي أم أبى ، كتابٌ تضمخ بنصوص كثيرة تضطرب فيها الحياة حيناً وتستقر هادئة في حين آخر ، كأن الشاعرة موقنة أن المطر الذي أهدت تفاصيله لصاحب (الكاف) هو أبجدية تعويضية لها شعرياً تتشكل عبر انغمارها بمفردات الطبيعة الحية (المطر / الأشجار / الأعشاب ... الخ ، هذه المفردات التي تحمل نقائضها في رحمها تتخذها الشاعرة رؤية تعويضية عن الفقد حيناً والانبعاث حيناً وفي كل النصوص الأربعة والخمسين ، ثمة إحالة تعويضية جمالية لامَّة تحاول الاتحاد من الإحالات المشتظاة لتقول الكناية الكبرى لها وهي (المطر) بحيث يُقصى المهدى له فيكون إحدى مفردات هذه الاحتفالية الشعرية الكبرى بالحياة وليس الإقصاء هنا أقصى موت فقط وإنما إقصاء خاص متشكل جمالياً بخواصه كشخص ترابي وبخواص مثابات الطبيعة التي تحيط به فيكون هو هي أغنية متوحدة ومنسجة ومنغمرة ارتكاساً به ويشكل نص العنوان (لك تفاصيل المطر) ,هذه الرؤيا الاحتفالية بالحياة ونقيضها . لي في عينيك رذاذ مطر يتساقط كرقصة درويش ثمل يتخايل علي بلعبة اختبائه العصرية يتحشد في محرابي متاريس من جيوش الهوى فتتعاظم حجم سيول الشوق الكامنة داخلي أفصح عنها في مقدم عيد ميلاده لأكون هل كان اختيار عنوان هذا النص كعنوان للمجموعة قصدياً ؟ أظن أنها أخضعت نفسها لامتحان جمالي ونفسي معاً لتقرر ذلك بنجاح فالنص بما فيه من رؤى جمالية وإحالات لاشعورية شكل مشهداً ملحمياً لاماً للنصوص بحيث تكون النصوص المجاورة والبعيدة خوادم شعرية لاستكمال مشهدية المطر وصاحبه ، نجد هذه الصورة في كل النصوص ثمة إشارة صغيرة أو كبيرة تقودنا إلى مرافئ المطر ولو قلب المتابع أي صفحة في المجموعة لوجد صحة ما أقول . هذه الملاحظة تقودنا إلى القول ، أن الشاعرة (ميادة المبارك) تخطط لنصوصها فلا تنطلق من رؤية ذهنية عابرة لتبدأ الكتابة بل أن ثمة رؤية ورؤيا مركزتين تتحكمان بقوة الشعور واللاشعور في تأطير شكل النصوص ولغتها وآليات الانتقال فيها وسأفتح الآن عشوائياً ورقة من المجموعة فأجد نص (أناي) الذي تقول فيه : (أدنو لرواقك المضيء كفراشة مترفة تتوق للسعة ضوء من حرفك البارق يغازلني صمتك) وهذا مصداق لما قلناه سابقاً من انغمار الشاعرة في صور الطبيعة التي تشاهدها . تقودنا نصوص (ميادة المبارك) إلى الكشف الجمالي الواقعي المدغم بالمتخيل المدهش للفناء بقوة الإصرار على الحياة رغم الموت هكذا تتشكل الكناية الكبرى لهذه المجموعة المميزة حقاً في اقتناصها لموضوعة الحياة والموت وفي لفتها المفعم بالجمال وبالحيوية وبتناولها لزوايا مهملة من واقعنا لتلبسها لباس الشعر البهي . إن الشاعرة (ميادة المبارك) في هذه المجموعة البكر تؤكد قدرتها الفذة على تشكيل بصمة خاصة بها بعيداً عن كل ما يشوب النص النسوي في اتكاء على ذكورية معتقدة أو أنثوية غائبة ، إنها تؤكد ذاتها كأنثى عاشقة للحياة مغنية له بتجربة قليلة الحدوث في وسطنا الذي يشهد ادعاءات كبرى لأصوات خافتة .

تابعنا على
تصميم وتطوير