منذ تسلّمه مهام رئاسة الوزراء، شكّل محمد شياع السوداني حالة سياسية مختلفة في المشهد العراقي، إذ لم يكتفِ بإطلاق الوعود أو رسم الشعارات العامة، بل حاول الانتقال من الرؤية إلى التطبيق عبر خطوات ملموسة، تلمسها المواطن في مختلف مفاصل الدولة.
السوداني، الذي جاء من خلفية تنفيذية وإدارية تراكمت خبرته من إدارة المحافظات إلى تولّي الحقائب الوزارية، قدّم نموذجًا لرئيس وزراء يتعامل مع الدولة بعقلية «المدير التنفيذي» لا السياسي التقليدي. فكانت أولوياته واضحة: محاربة الفساد، تحسين الخدمات، وتفعيل الاقتصاد الوطني من خلال مشاريع واقعية، وليست مجرد أوراق في أدراج الوزارات. خلال عامين من عمر حكومته، تحرك السوداني بثبات نحو إعادة الثقة بين المواطن والدولة. فبدأ بمشاريع الإعمار والبنى التحتية في المحافظات، وأطلق حزمًا اقتصادية لتشجيع الاستثمار وتوفير فرص العمل، كما تبنّى سياسة الانفتاح الخارجي المتوازن التي أعادت العراق إلى موقعه الطبيعي في محيطه الإقليمي والدولي. ورغم التحديات السياسية والاقتصادية المعقدة التي تحيط بالمشهد العراقي، إلا أن السوداني حافظ على نهجه الهادئ والمتزن في إدارة الأزمات، معتمدًا أسلوب المتابعة الميدانية المباشرة لكل ملف حيوي، من الكهرباء والماء إلى الأمن والتعليم. تلك المتابعة اليومية كانت بمثابة ترجمة عملية لرؤية إصلاحية شاملة، تسعى إلى بناء دولة مؤسسات لا دولة أشخاص. لكنّ طريق الإصلاح لم يكن سهلًا. فالمصالح المتشابكة والإرث البيروقراطي الثقيل شكّلا عقبة أمام سرعة التنفيذ، إلا أنّ السوداني أثبت أن الإرادة السياسية قادرة على كسر الجمود، وأن التدرج في التطبيق هو السبيل الأمثل لتغيير واقع متراكم منذ عقود. اليوم، ومع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، يبدو أن الرؤية التي قدّمها السوداني بدأت تجد صداها في الشارع العراقي، حيث يتزايد الشعور العام بأن ثمة فرقًا بين من يرفع الشعارات ومن يعمل بصمت لتحقيقها. وبين الرؤية والتطبيق، يقف محمد شياع السوداني محاولًا أن يكتب تجربة مختلفة في سجل الحكم العراقي الحديث — تجربة عنوانها: العمل بصمت.. والإنجاز بالفعل.