تعج يومياً مواقع التواصل الاجتماعي بعشرات الأحداث والقضايا التي تتنوع بين الجد والهزل وبين ما يستحق التوقف عنده وما لا يتجاوز حدود الترفيه أو حتى «التفاهة» أحياناً، لكن ما الذي يدفع هذا الكم الهائل من المستخدمين إلى تسليط الضوء على قضايا بعينها دون غيرها؟ وهل فعلاً يتم تناقل هذه القضايا من باب البحث عن حلول أم أن الأمر لا يعدو كونه لهاثاً خلف «التريند» أو رغبة في لفت الأنظار؟
في زمن السرعة تحولت مواقع التواصل إلى منصات إعلامية موازية يشارك فيها الجميع بلا ضوابط ولا معايير واضحة، فنجد أن القضايا التي كانت تُطرح سابقاً عبر وسائل الإعلام التقليدية بعد تدقيق وتحقيق، أصبحت اليوم تُنشر لحظياً وبلا تحقق وقد تتسبب في إثارة الرأي العام أو تشويه الحقائق أو حتى تدمير سمعة أشخاص. والأخطر من ذلك أن الكثير من هذه القضايا تُتناقل بعاطفة لا بعقل ويتضخم الحدث في غضون ساعات ثم يُنسى بمجرد ظهور قضية ساخنة جديدة، وهذا ما يجعلنا نتساءل: هل ما يحدث هو تعبير عن وعي جمعي يسعى للتغيير أم أن الأمر لا يعدو كونه حراكاً سطحياً محكوماً بإدمان التفاعل والإعجابات والمشاهدات؟
اللافت أيضاً أن بعض القضايا التي تحمل جانباً إنسانياً أو حقوقياً حقيقياً لا تجد الاهتمام الكافي بينما تلقى قضايا أخرى سطحية ترويجاً واسعاً لمجرد أنها تتضمن مادة صادمة أو مثيرة للجدل.
إن الإعلام بمختلف أشكاله هو في الأصل رسالة ومسؤولية لا مجرد وسيلة لتمرير الرأي أو الترفيه. وإذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي قد منحت الناس مساحة حرية للتعبير فإنها في الوقت نفسه فتحت الباب على مصراعيه أمام فوضى المحتوى وتضليل المتابعين. ولكي نقيّم ما يحدث اليوم بشكل عقلاني علينا أن نسأل أنفسنا: هل نستخدم هذه المنصات للتوعية والتغيير أم أننا نعيد إنتاج التفاهة بأشكال مختلفة؟ هل نكتفي بدور المراقب السلبي الذي يشارك منشوراً وينتظر النتائج أم نتحول إلى فاعلين حقيقيين يسهمون في إحداث فرق؟
في النهاية يبقى التمييز بين الحدث الحقيقي والضجيج المفتعل مسؤولية فردية ومجتمعية وإعلامية تحتاج إلى وعي وجرأة وإرادة في مقاومة السطحية التي باتت تهيمن على مشهدنا الرقمي.