في مسيرة الشاعر العراقي خالد نعمة الشاطي تتقاطع التجربة الشعرية مع المسرح، وتتداخل القصة مع المقال السياسي، وتتجاور مشاعر الذات مع هموم الجماعة. كتب نصوصه الأولى في خنادق الحرب، وحمل همّ الكتابة تحت خنق الخوف وظلال القمع، ليظل صوته شاهداً على زمن الألم، وشريكاً في صناعة الأمل.
في هذا الحوار، نتلمّس رؤاه في الشعر والمسرح والصحافة، كما نقترب من ملامح تجربته وقلقه الإبداعي، ونقف على أبرز آرائه في المشهد الثقافي المعاصر، من خلال أجوبة تنبض بالصراحة والتواضع والعمق.
بدأت تجربتك المسرحية في ظروف الحرب، من خلال مسرحية الأسير والآخرون التي عُرضت داخل الوحدات العسكرية.
* كيف أثرت تلك التجربة المبكرة في تشكيل رؤيتك الفنية والأدبية لاحقًا؟
ــ دائماً في الحروب تكون الظروف مرتبكة إلى حدّ أن حياتك تعتمد على الحظ أكثر من أي شيء آخر. في تلك الأجواء، كانت «الأسير والآخرون» مغامرة غير محسوبة العواقب، لأنها لامست استفزازات المزاج العام الخطير. كنت مهدداً في كل لحظة بسبب تقلب مزاج ضابط غبي أو خائف. ومع ذلك، كانت تلك التجربة عنصراً مؤثراً في تكوين وعيي الفني والجمالي.
* لك أكثر من مجموعة شعرية منشورة، مثل «نرجسة الوند» و»صفعات على خد واحد»، ما الموضوعات أو الثيمات التي تحرص على استحضارها في أعمالك الشعرية؟
ــ لست أنا من يستدعي الموضوعات، بل هو الوجع اليومي الذي يفرض نفسه عليّ ويملأ مسامات جلدي دون إرادتي.
* أصدرت أيضاً مجموعات شعرية مشتركة مثل «أصابع متشابكة» و»زهور يانعة». كيف ترى تجربة النشر المشترك، وما الذي تضيفه للشاعر؟
ــ النشر المشترك كان ضرورة فرضها وضع اقتصادي معدم، وخوف دائم من البوح، وضعف في الإمكانات. لجأنا إلى المتاح، نستنسخ أو نطبع بطريقة بدائية فقط لنقول إننا موجودون.
* كتاباتك تشمل الشعر، القصة، المقال، والتحقيقات الصحفية. كيف توزع طاقتك الإبداعية بين هذه الأجناس المختلفة؟ وهل تفضل جنسا أدبياً على آخر؟
ــ نعم بعضها تفرضه المهنة كالتحقيقات، وبعضها يستدعيه الواقع السياسي كالمقال، أما الشعر والقصة والمسرحية والسيناريو فهي نتاج الهواجس اليومية والتغيرات المتسارعة في الحياة.
* في سيرتك نقرأ عن مخطوطات قيد الإنجاز، بينها مجموعتان شعريتان ومجموعة قصصية. هل يمكن أن تطلعنا على ملامح هذه المشاريع الجديدة؟
ــ أعمل حالياً على مجموعتين شعريتين كتبتُ قصائدهما في أزمنة متفرقة، إضافة إلى مجموعة قصصية أجمع فيها نصوصاً منشورة سابقاً في الصحف العراقية والعربية.
* شاركت في مهرجانات شعرية مهمة مثل المربد والجواهري وأبي تمام والمتنبي. ما الذي تمنحه هذه الفعاليات للشاعر، وما الذي تأخذه منه؟
ــ المهرجانات تمنح فرصة ثمينة للاطلاع على تجارب الآخرين، ولقاء الأصدقاء، ومتابعة المستجدات الثقافية.
* أنت حاصل على دبلوم في فلسفة الإخراج المسرحي، ومارست الإخراج والتمثيل، كيف يتقاطع المسرح مع الشعر في تجربتك الإبداعية؟
ــ كلاهما يلتقيان في هدف واحد: إيصال الرسائل السياسية والجمالية للمتلقي. لا يمكن تخيّل حياة ثقافية من دون مسرح وشعر.
* لك تجربة في كتابة المقالات السياسية والإعلامية، كيف توفّق بين الحس الشعري والطرح الصحفي أو النقدي في هذه النصوص؟
ــ كل جنس له ظرفه الخاص. بعضها طارئ وآنٍ، وبعضها يحتمل التأني أو التأجيل. ولكل منها تأثيره المختلف على مزاجي.
* حصلت على العديد من الجوائز والدروع التقديرية من مؤسسات ثقافية وفنية مختلفة، أي من هذه الجوائز لها وقع خاص في نفسك؟ ولماذا؟
ــ تبقى مشاركتي في مهرجان المربد ذات وقع خاص في نفسي لما تمثّله من حضور ثقافي عريق.
* في ظل انتشار وسائل التواصل، كيف تتفاعل مع جمهورك من خلال منصات مثل «فيسبوك»؟ وهل ترى أن السوشيال ميديا منحت الشعر مساحة جديدة؟
ــ في السابق كان النشر في الصحف والمجلات يمنحنا بهجة وتحدياً، أما اليوم فقد أصبح التواصل سهلاً وسريعاً، لكنه أقل تأثيراً في العمق.
* في قصائدك نلمس مزيجاً بين الألم الشخصي والوجع الجمعي، كيف تنسج تجربتك الذاتية داخل نسيج النص الشعري دون الوقوع في المباشرة أو التقريرية؟
ــ اللحظة هي من تفرض حضورها على الورق، والتجربة الحسية تتجلى من خلال شكل القصيدة الذي تختاره لنفسها.
* هل تميل في شعرك إلى البناء التقليدي للقصيدة أم ترى في قصيدة النثر أو النص المفتوح مساحة أوسع للتجريب والتعبير؟ ولماذا؟
ــ لا أحد يقرر شكل الكتابة مسبقاً. الفكرة هي من تختار ثوبها. أحياناً تخرج كنص مفتوح وأحياناً كقصيدة تقليدية، بحسب طبيعة الإحساس.
* ما مكانة الصورة الشعرية لديك؟ هل ترى أن الشاعر يجب أن يراهن على الصورة أم على الفكرة، أم على الموسيقى الداخلية للنص؟
ــ الصورة الشعرية مهمة جداً، خصوصاً في قصائد الومضة، وهي ترافق المعنى بإيقاع بصري وموسيقى داخلية متولدة من النص.
* كيف تنظر إلى ظاهرة «تسليع الشعر» عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل ترى أن سهولة النشر أضعفت القيمة الشعرية أم ساهمت في نشر النصوص الجيدة؟
ــ كثرة وسائل النشر لا تضعف الشعر. الجيد يظل واضحاً وبارزاً مهما تزايدت النصوص.
* ما رأيك في المشهد الشعري العراقي الراهن؟ وهل ترى أن الشعر العراقي لا يزال محافظاً على ريادته عربياً كما كان في العقود الماضية؟
ــ العراق هو وطن الشعر، ولا أحد ينافسه على ريادته.
* هل تميل إلى كتابة القصيدة التي تنحاز إلى الرمزية والتأويل، أم ترى أن الشفافية والوضوح يمنحان النص الشعري نفاذاً أوسع؟
ــ الوضوح يمنح النص نبضاً مختلفاً، حتى مع استخدام الرمزية أو الانفتاح على التأويل.
* تنوّعت مشاركاتك بين مهرجانات داخلية وأخرى تابعة لمؤسسات ثقافية كوردية وعربية، هل أثّرت بيئة التلقي المختلفة على لغتك الشعرية أو موضوعاتك؟
ــ بالتأكيد، التنوع الثقافي يمنح إحساساً بالثراء والاختلاف الجميل.
* هل تعتقد أن الشعر اليوم ما زال قادراً على التأثير في الوعي الجمعي أو إحداث تغيير ما ؟ أم أصبح مساحة جمالية خاصة لا أكثر؟
ــ فقد الشعر سلطة المنصة والخطابية، وأصبح مقروءاً أكثر من كونه مسموعاً. لكنه ما زال يحمل إمكانية التأثير الجمالي.
* من خلال متابعتك لتجارب الشعراء الشباب، ما الملاحظات التي تسجّلها حول أساليبهم، وما النصيحة التي يمكن أن تقدمها لهم؟
ــ لكل شاعر مساحته الخاصة في الكتابة، وأدواته التي يراها الأنجع في التعبير.
* هل تؤمن بضرورة التنظير الشعري في التجربة الإبداعية؟ وهل كتبت يوماً عن شعرك أو خضت في كتابة بيان شعري يوضح موقفك الجمالي؟
ــ لم أكتب بياناً شعرياً عن تجربتي، لأنها ما زالت بسيطة. أنا ما زلت أتعلم، ولم أبلغ من النضج ما يستدعي التنظير لها.