رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
رحلتي إلى زهرة البلقان ( 5 ) ....نفق الأمل


المشاهدات 1138
تاريخ الإضافة 2025/07/20 - 8:52 PM
آخر تحديث 2025/07/21 - 2:10 PM

في سنوات المخاض من أجل تأسيس دولة معترف بها تضم مسلمي البوسنة والهرسك، اندلعت بين عامي 1992 و1995 واحدة من أعنف الحروب التي شهدتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وقد شارك فيها المسلمون، الذين يُطلق عليهم البوشناق، إلى جانب الصرب والكروات. وحدثت في سراييفو، ومعظم مدن البوسنة والهرسك، جرائم وفظائع فاقت كل تصور، ولم تفرّق آلة الحرب بين المقاتلين والمدنيين الأبرياء، بمن فيهم الأطفال والنساء. 
كانت البوسنة والهرسك واحدة من ست جمهوريات تشكّل الاتحاد اليوغسلافي، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط الأنظمة الشيوعية في شرق أوروبا، بدأت جمهوريات يوغوسلافيا تطالب بالاستقلال. وقد أعلنت سلوفينيا وكرواتيا استقلالهما في يوم واحد، 25 حزيران / يونيو 1991، بعد مواجهات مسلحة مع القوات الصربية. وعندما أعلنت البوسنة والهرسك استقلالها في أوائل آذار/ مارس 1992، بدأت الميليشيات الصربية، مدعومة من جيش يوغوسلافيا السابق، بمهاجمة المدن البوسنية واحتلالها، وتصاعد التوتر لاحقاً بين البوشناق والكروات، مما أدى إلى إندلاع حرب أخرى ضمن الحرب الأهلية الشاملة، واستمر الصراع حتى توقيع اتفاق دايتون للسلام برعاية الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في كانون الأول/ ديسمبر 1995. وخلال هذه الحرب الدامية، تعرضت العاصمة سراييفو لحصار دام 1425 يوماً « نحو أربع سنوات» ، في واحدة من أطول وأعنف الحصارات في التاريخ الحديث. 
خلال تجوالي في سراييفو، لاحظتُ أن كثيراً من الأبنية مازالت تحمل آثار تلك الحرب المدمرة، كما توجد بعض النصب التذكارية واللوحات تشير إلى مواقع سقوط الضحايا تحت نيران القصف الصربي ورصاص القناصة المتمركزين على الجبال المطلة على المدينة، الذين كانوا يراقبون كل حركة في الأزقة والشوارع والأسواق. وقد علمتُ بوجود نفق سري حُفر خلال الحصار لإيصال السلاح والغذاء والأدوية والوقود إلى السكان المحاصرين. ويمر جزء منه تحت مطار سراييفو، الذي كانت تُديره الأمم المتحدة آنذاك، وكان محاطاً بالقناصة الصرب من جميع الجهات.
 استغرق حفر هذا النفق، المعروف باسم نفق الأمل Tunnel of Hope ، نحو ستة أشهر، وكان يربط بين حي دوبرينيا، داخل سراييفو، وقرية بوتمير الواقعة خارج منطقة الحصار والخاضعة لسيطرة الجيش البوسني. وشارك في حفره جنود بوسنيون ومدنيون، عملوا سراً ليلاً ونهاراً، مستخدمين أدوات بسيطة مثل المعاول والمجارف، رغم صعوبة الحفر في التربة الطينية المشبعة بالمياه الجوفية، ما جعل العمل بالغ الخطورة والمشقة.وبما أن إقامتي كانت في حي إليجا المجاور لمطار سراييفو، فقد طلبتُ من رفيق رحلتي أيمن أن نتوجه صباح اليوم الآتي إلى قرية بوتمير. وهناك سنتعرف أيضاً على حكاية الجدة شيدا كولار، صاحبة أول بيت عند بداية النفق، التي قدمت منزلها من دون تردد ليكون منفذ النجاة للمدينة المحاصرة.


تابعنا على
تصميم وتطوير